يندر أن يوقِف القضاء ضابطاً رفيعاً. وغالباً ما يؤدّي ذلك إلى ردّ فعل إيجابي، وخاصةً عندما توجّه إليه تهمة لها علاقة بالفساد أو الظلم. لكن قضية توقيف العقيد أحمد ن. أخذت منحىً آخر
حسن عليق
وافق قاضي التحقيق في جبل لبنان جوزف صفير، أمس، على إخلاء سبيل العقيد في قوى الأمن الداخلي أحمد ن.، الموقوف منذ يوم الخميس الفائت بجرم «حجز حرية» أشخاص من دون وجه حق. القضية تعود إلى ما قبل أسبوعين، عندما ادّعت إحدى الشركات أمام القضاء على أشخاص بجرم اختلاس مبلغ مالي، تحدّث مسؤولون قضائيون وأمنيون أنه يصل إلى مليوني دولار أميركي. وكان التحقيق في الشكوى يجري في مفرزة الضاحية القضائية، وبإشراف المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي داني شرابيه. وبعد توقيف عدد من المدعى عليهم في المفرزة المذكورة واستجوابهم، أُبلِغ شرابيه، هاتفياً، بمضمون الإفادات، فطلب من العقيد ختم التحقيق وإيداعه إياه مع الموقوفين. وفي اليوم ذاته، تلقّى العقيد اتصالاً هاتفياً من المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان أيضاً، القاضي ماهر شعيتو، الذي طلب من العقيد إبقاء الموقوفين في المفرزة، لأن ثمة من يسعى إلى عقد مصالحة بين الشركة المدعية والمدعى عليهم، مما سيؤدي إلى إسقاط الادعاء. التزم العقيد بطلب شعيتو، من دون مراجعة شرابيه. ويوم الخميس الفائت، اتصل شرابيه بالعقيد سائلاً إياه عن سبب تأخّره في إحالة الموقوفين والملف على النيابة العامة في بعبدا، فأخبره العقيد بفحوى اتصال القاضي شعيتو به. عند ذلك، طلب شرابيه من العقيد الحضور إلى دائرته، وأجرى معه تحقيقاً أولياً، ثم أحاله على قاضي التحقيق في جبل لنبان جوزف صفير، الذي أصدر مذكّرة توقيف وجاهية بحق العقيد. وقبل ملاحقة العقيد، لم يطلب القضاء إذن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي (وهو ما ينص عليه القانون) إذ رأى القضاة أن فعل الضابط يدخل في إطار الجرم المشهود. والجرم هنا هو «حجز حرية أشخاص من دون موجب قانوني». لكن ما جرى خضع لنقاش على مستويات قضائية وأمنية وسياسية، إضافة إلى اتصالات تولّت معظمها مرجعية دينية بارزة. واختلف رأي القانونيّين في المسألة. رأى البعض أن القاضي شرابيه محق، وأن العقيد أخطأ في عدم مراجعته قبل تنفيذ ما طلبه منه القاضي ماهر شعيتو. لكنّ رأياً آخر أدلى به قضاة وأمنيون وسياسيون، أقرّوا فيه بأن العقيد أخطأ في عدم مراجعة شرابيه، إلا أنهم سألوا عن الموجب القانونيّ لتوقيف العقيد. ويقول مسؤول قضائي «إن ملاحقة العقيد بجرم حجز الحرية باطل، لأن المحامي العام لم يطلب منه إخلاء سبيل الموقوفين، بل طلب إحالتهم على دائرته». وبناءً على ذلك، فإن ما قام به العقيد يدخل في إطار مخالفة قرار قضائي لا حجز الحرية.
بدروه، وصف ضابط رفيع ما جرى بحق زميله بأنه «نتيجة للنكايات بين عدد من قضاة النيابة العامة في بعبدا، ولم يكن العقيد أكثر من ضحية. إذ إن القاضيين شرابيه وشعيتو كانا على تواصل دائم بينهما في ما يخص القضية. وما قام به العقيد يجري يومياً في مختلف مراكز التحقيق التابعة للشرطة، إذ إن الأجهزة الأمنية والقضائية تعطي دائماً الأولوية لمحاولة إجراء مصالحة بين المتقاضين، قبل الوصول إلى المحكمة».
ومن جهة أخرى، لفت قضاةٌ وأمنيون إلى وجه آخر للقضية. وبحسب أحد هؤلاء، «القرار القضائي صائب مئة في المئة. لكن التقصير الحاصل اليوم يتعلق بدور القاضي ماهر شعيتو. إذ كيف يمكن إغفال ما ذكره العقيد في إفادته عن تدخل شعيتو في ملف قضائي معروض على زميل له، مع العلم بأن له مصلحة في هذا الملف، لوجود قرابة بينه وبين أحد أصحاب الشركة المدعية»؟ على أمل أن تظهر نتائج التحقيق قريباً...


تدخّل لحماية الضابط؟

كادت قضية العقيد أحمد ن. أن تأخذ منحى طائفياً ومذهبياً قبل صدور قرار إخلاء سبيله. وفي رأي من تابعوها، لم يكن خطأه يستأهل قراراً مماثلاً. إذ إن «الأجدى أن يتحرّك القضاء بالجدية ذاتها للتحقيق في شبهات الفساد والتعذيب المتصلة بالتحقيقات التي تجريها قطعات الضابطة العدلية»، بحسب ما يقول مسؤول أمني، مضيفاً: «لو كان الأمر كذلك، لما تدخل أحد لحماية ضابط». ويقول مسؤولون أمنيون إن نحو 20 في المئة من ضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عوقبوا، على مدى السنوات الماضية، بتأخير ترقياتهم. ومعظم هؤلاء المعاقَبين متهمون بارتكاب مخالفات تتعلق بشؤون العمل اليومي. لكنّ عدداً منهم حوسب بعد اشتباه قيادتهم بضلوعهم في قضايا فساد.