وجدت بعض الصبايا طريقة لتفادي «التفوق» الجسدي الذكوري عليهن، فأخيراً، أصبحت بعض النوادي الرياضية في العاصمة وضواحيها، تدرّس الإناث أيضاً «الدفاع عن النفس». وفيما تختلف دوافعهن، بين ردّ فعل على تحرش ما، أو قلق من آخر محتمل، أكدت معظمهن أن خوفهن في انحسار بعد التدريبات
ملاك عواد
باتت الأمور أصعب على «الزعران». فالفتيات في إقبال على تعلم الفنون القتالية، للدفاع عن أنفسهن، وبإمكان زائر النوادي الرياضية في العاصمة وضواحيها أن يلحظ الغزو الأنثوي هناك. لكلّ منهن دوافعها. ميسون انضمت إلى أحد هذه النوادي ، بعدما تحرّش بها أحد الشبان داخل سيارة أجرة. نجحت التدريبات التي تلقّتها في إعادة الثقة بالنفس إليها، بعدما «تعقّدت» من الأمر لفترة. وللعنف الأسري دوره أيضاً. كان شقيق سارة يضربها دائماً. كثيراً ما عانت ضعفاً فيزيولوجياً في مواجهته. لم تجد سوى الرياضة ملاذاً «كي لا أسمح لأحد بضربي مرة أخرى». وفعلاً، ومنذ أن بدأت بحضور الصف حتى توقف شقيقها عن استخدام تفوقه الجسدي لتسجيل نقاط على حسابها. في رأيها، صار يعرف أنها «لن تسكت له هذه المرة». هكذا، يعكس رواج اللعبة أزمات اجتماعية حقيقية، ناتجة من الصبغة الذكورية التي تبدأ في أوساط الشباب، وربما لا تنتهي مع التقدم في السن. فإلى سارة، كانت ريما تتعرض للضرب نفسه، ومن قريبٍ آخر، هو زوجها. ريما تزوجت باكراً. لم تكن تعرف أنها ستعنّف كل مساء. أرادت أن تهجره. دخلت النادي على هذا الأساس، وهناك، اكتسبت دفعاً معنوياً عالياً، شجعها على المضي في قرارها، فالتدريبات رفعت ثقتها بنفسها.
بعيداً من المشكلات الاجتماعية الصرفة، كان لوفاء دوافع أخرى. كان غضبها اليومي، في السنة الماضية، أي قبل التحاقها بالنادي، يدفعها إلى تكسير الأشياء من حولها. انضمت إلى هذا الصف كي تفرّغ غضبها هناك. مثّلت التدريبات مساحةً للسيطرة على نوبات غضبها العنيفة، وصار صف الدفاع عن النفس «فشة خلق». في المقابل، رأت رنا، خرّيجة المحاماة، أن هذا الصف كان «الأكثر إفادة لها في حياتها»، فقد كانت مسكونة برعب دائم على نفسها، نابع من «مجال عملها العنيف أحيانا». تبدو رنا مطمئنة اليوم. ماري تشاركها الاطمئنان. لا تخشى وحشة الليل في طريق عودتها إلى المنزل مساءً. تسميها زميلاتها في النادي «الملكة». ذات يوم، بعد تدريبات ناجحة، ضربت ماري شاباً حاول لمسها، لم يكن على علم بقدراتها القتالية العالية! كثيرات في النوادي، وضعن «ضربة ماري» نصب أعينهن. فاتن مثلاً، هدفها الوحيد من الدورة الدفاعية هو اكتساب «استراتيجية هجومية» ضد من يؤذيها ولو كلامياّ. تملك منسوباً عالياً من الحماسة. ضاقت ذرعاً بالتعليقات الفضولية والتدخلات الوقحة من زبائن المطعم الذي تعمل فيه، «وقررت استخدام الوسائل العنفية بعد فشل الحوار».
اللافت في الموضوع أن الصبايا المتدربات يحتفظن بأنوثتهن كاملة. لا تفارقهن «عدة الماكياج»، ويلازم الطلاء أظافر أغلبهن. هن «صبايا قويات» وحسب، كما قالت إحداهن. يضفي حضورهن على النوادي بعداً ناعماً، رغم قسوة التدريب الرياضي. أحد النوادي في بيروت أنجز ثلاث دورات حتى الآن، خرّجت 50 صبية في كل دفعة، والحبل على الجرار. يؤكد صاحب النادي محمد كريم «أن العدد في ارتفاع»، ما اضطره إلى الانتقال إلى نادٍ جديد، لضيق مساحة الأول. ويلفت كريم إلى أن الدورات تمتد على أشهر، وأن «البنت يجب أن تتعلم الدفاع عن نفسها كما تعلمت القراءة والكتابة». في الحصة التدريبية الأولى، سأل المدرب الصبايا عن دوافعهن. كنّ 54 صبية، 38 منهن التحقن بسبب تعرضهن لنوع من أنواع التحرش أو الاعتداء، أما الأخريات فدخلن خوفاً من أن يلقين مصيراً مشابهاً.


من أجل اللياقة... البدنيةّ

لا ينفي أحد المدرّبين أن الرجل سيبقى الأقوى جسدياً، لكن «المباغتة وبعض الضربات الموجهة إلى أماكن حساسة قد تقلب المعادلة»، وهو يدعو إلى استبدال صفوف الرياضة في المدارس، بدروس «الدفاع عن النفس»، مثل «الجودو» و«الكاراتيه» و«الكيك بوكسينغ»، الموجودة كصفوف اختيارية في بعض الجامعات الخاصة. كذلك، يشدّد على أن «صفوف الدفاع عن النفس مختلفة في ما بينها، وتعتمد على اختيار المدرب وتنسيقه الحركات». وعلى عكس حالة رائدات النوادي في العاصمة وضواحيها، فإن غالبية المنتسبات إلى هذه الصفوف في الجامعات الخاصة، وفقاً لمعاينة المدرب، يدخلن لدوافع لا علاقة لها بالخوف، أو بالتركيبة الاجتماعية الذكورية. بل إنّهنّ يطمحن إلى «اللياقة البدنية»، و«الجسم الجميل» فقط.