راجانا حميةترد إلى البريد الإلكتروني رسالة إلى بعض الصحافيين. مصدر الرسالة مستشار لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني، زياد الصايغ. لكن، عكس رسائله السابقة، كانت هذه مقتضبة جداً: أعلن فيها الرجل أنه ابتداءً من الغد (31 كانون الأول) لن يعود مستشاراً للجنة، وأنه سيستمر في العمل على الملف الفلسطيني بصفة شخصية فحسب. وأنهى رسالته بشكر وجّهه إلى «الأصدقاء» للدعم والتعاون اللذين أبدوهما طوال فترة عمله كمستشار. في نهاية الرسالة، ملاحظة صغيرة يدعو فيها الصايغ «الأصدقاء والزملاء» إلى التواصل معه على البريد الإلكتروني الخاص (لا على البريد الإلكتروني المتعلق بصفته الرسمية... السابقة).
هذا «الانسحاب» المفاجئ للصايغ، الذي لم يترجم باستقالة رسمية حتى الآن، فاجأ الكثير من المعنيين بالملف، برغم من أنه أتى بعد الاستقالة التي تقدّم بها رئيس اللجنة، خليل مكاوي، منذ نحو ثلاثة أسابيع إلى رئاسة مجلس الوزراء، والتي لم يبتّ مصيرها إلى الآن. لكن وضع الأمور في إطارها يوضح بعض التفاصيل: فـ«انسحاب» الصايغ واستقالة مكاوي أتيا بعدما تردّد عن عزم الحكومة تسليم عضو اللقاء الديموقراطي وزير الدولة، وائل أبو فاعور، إدارة ملف العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية، على أن يصار إلى إصدار مرسوم في وقت لاحق.
ولئن برّر مكاوي استقالته بأنه «لا يمكن أن يتولى إدارة الملف الفلسطيني شخصان، فالمصلحة الوطنية تقضي بأن أفسح في المجال»، لم يعلّق الصايغ على رسالته، مكتفياً بالتأكيد أنه «سيتابع الملف ولكن بصفة شخصيّة». مع هذا، تفتح رسالة الصايغ الشهيّة لطرح جملة أسئلة لا مفر منها: ما هو مصير اللجنة، إذا ما أنشئت هذه الوزارة؟ هل ستُلحق بها، أي لا تعود بإدارة رئيس الحكومة مباشرةً؟ أم أنها ستتسلّم المهمات التقنية كملف إعادة إعمار البارد... فيما تتولى الوزارة مسؤولية المتابعة السياسية لجهة العلاقات اللبنانية الفلسطينية؟ ولمَ تُنَاط «إدارة شؤون الفلسطينيّين وملف العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية بوزير تابع لطرف سياسي معيّن، في وقت كان من البديهي أن يتولّى الملف شخص مختصّ به، كمكاوي مثلاً؟
ثمّة الكثير من الأسئلة... والتكهّنات حتى الآن. فمكّاوي، الذي يتوقّع قبول استقالته، يصرّ على إدراج موقفه تحت عنوان «المصلحة الوطنية»، مصرّاً على عدم العودة ولو رُفضت الاستقالة. بل إنه «يتكهن» بأن «زياد (الصايغ) أيضاً ربما لم يعد يرغب في الاستمرار». لكن، «ربما» مكاوي، يقابلها جزم فلسطيني بوصف موقف الصايغ بأنه «حرد»، بل إن المصدر يظن أنه كان «متوقعاً عندما بدأ الحديث عن وزارة تُعنى بالفلسطينيّين. أن يكون المرشح الأبرز منطقياً هو أحد المكلّفين بلجنة الحوار». لكن، ثمة سبب آخر للانسحاب، هو «أن الجهات الدولية المموّلة للجنة لم تُبدِ ارتياحاً كافياً لإنجازاتها». و«هذه الجهات مرتبكة إلى من تصرف المال اليوم جرّاء جهلها مصير اللجنة المعلّقة رسمياً لجهة استقالة رئيسها، وتكليف الوزير البديل».
هذا الارتباك يبدو في أصل الاعتراض الفلسطيني على الوضع غير المحسوم «الذي وضعتنا فيه الدولة اللبنانية، فالوزارة لا تزال مجرد تسريبة، وخسرنا اثنين من لجنة الحوار، ونكاد نفقدها»، يقول ممثل السفارة الفلسطينية في لجنة إعادة إعمار مخيم البارد، إدوار كتورة. فما يريده الفلسطينيون، بحسب كتورة، «جهة رسمية ترعى وجودهم في لبنان، وخصوصاً القانوني منه، بدلاً من اعتبارنا ساعة أجانب، وساعة لاجئين، ومش بني آدمين ساعات. بدنا نعرف على أي مخدّة بدنا نحط راسنا».


لماذا أبو فاعور؟

منذ تسمية الوزير وائل أبو فاعور مرشحاً لإدارة شؤون اللاجئين، بدأت بعض التعليقات على «مذهب» الوزير، ولماذا تُعطى الوزارة لـ«درزي»؟ بحسب ممثل السفارة الفلسطينية في لجنة إعادة إعمار مخيم البارد إدوار كتورة «أنه واضح أن الوزارة قبل إنشائها دخلت في حسابات الحصص السياسية، فالسُنّة يقولون إنه كان من المفترض أن يتسلّموا الملف، على اعتبار أن غالبية الفلسطينيّين سُنّة، فيما المسيحيّون يريدون الوزارة لأنها تطمئنهم كمسيحيين». أما المطب الآخر، فهو «وجود ثلاث وزارات دولة، فمن الطبيعيّ إذا أُنشئت وزارة دولة لشؤون اللاجئين أن تدخل المحاصصة الطائفية والكوتا في ما يخص الوزارتين الباقيتين». أما ثالثاً، فهو صلاحيات هذه الوزارة وصلاحيات لجنة الحوار، والاثنتان مصيرهما معلّق.