يواجه المرفق القضائي قضايا مفصلية، استدعت من وزير العدل عقد خلوة قضائية، بحضور رؤساء الأجهزة العدلية. خرج المجتمعون بعدد من القررات ضمن ورشة «إصلاح» القضاء. هل ستجد هذه القرارات طريقها إلى التطبيق، أم أنها ستبقى حبراً على ورق؟
محمد نزال
«يجب إعادة الهيبة إلى القضاء، وتنقيته، والسعي إلى نهضة قضائية شاملة». بهذه الكلمات لخّص وزير العدل إبراهيم نجار نتائج الخلوة القضائية التي عقدها، أمس، بحضور رؤساء وممثلي الأجهزة القضائية، في فندق «موفنبيك» ـــــ بيروت.
هي الخلوة الأولى من نوعها، بحسب ما أكّد الحاضرون، وقد خلصت المباحثات التي جرت فيها إلى «إعطاء القضاة حقهم ضمن نظام مالي، ليكونوا بعيدين عن الإغراءات انّى أتت». هكذا، تحدث الوزير نجّار عن الدور المفصلي للقضاة، الذين يجب أن يكونوا مطمئنّين إلى أمنهم، مع القدرة على مواجهة التدخل في شؤونهم.
استخدم نجار عبارة «إعادة الهيبة إلى القضاء»، ما يعني أن القضاء اليوم فاقد هيبته أمام المواطن. كذلك أشار مجدداً إلى ضرورة «تنقية القضاء»، وهو ما يعني أن القضاء ما زال إلى اليوم «ملوّثاً». يعترف وزير العدل بذلك، لكنه يصرّ على المضيّ قُدماً في مسيرة «الإصلاح». ومن ضمن الإصلاحات المرتقبة، رفع عدد القضاة إلى 900 قاض، حيث إن عددهم اليوم نحو 500 قاض.
استمرت الخلوة القضائية نحو 5 ساعات، تحدث بعدها نجّار في مؤتمر صحافي أعلن فيه الخلاصات التي خرج بها المجتمعون، والتي كان منها إعلان تأليف لجنتين قضائيتين. أوكلت إلى اللجنة الأولى مهمة دراسة المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى تعديلات في القانون، والنظام المالي للقضاء. أما اللجنة الثانية، فمهمتها دراسة المواضيع الطارئة والملحة، التي لا تكون بطبيعتها تحتاج إلى تعديلات قانونية.
الإصلاحات القضائية المرتقبة تستدعي رفع عدد القضاة إلى 900
برز خلال العام الحالي عدد من القضايا القضائية، بحيث أخذت صدى جعل منها محطات استوقفت المتابعين، وكان من أبرزها عزل أحد القضاة من جانب هيئة التأديب القضائي، إثر تقاضيه رشوى في إحدى القضايا التي كان يتابعها. يومها تحدث الوزير عن 17 قضية أخرى لدى الهيئة، وهي مشابهة لقضية العزل. وفي هذا السياق، لفت نجّار إلى أن هيئة التأديب «أصدرت أكثر من قرار». ولكن، لماذا لم يعلن عنها إذن؟ أجاب نجار أن الإفصاح جاء عن حالة واحدة، لأن القانون يجيز في حالة العزل أو الفصل أن يُعلن الموضوع، كما تُعلَن العقوبة التي يستحقها القاضي المخالف، أما باقي المواضيع «فسوف تبقى سرية، وأريد أن أؤكد أن المسيرة لن تتوقف، وكل شيء في وقته، ولكل حادث حديث».
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» من أوساط متابعة لهذا الموضوع، أن 5 ملفات اتُّخذت الأحكام فيها بحق قضاة، من جانب هيئة التأديب القضائي، ولكن لم يُعزلوا كما حصل في القضية الأولى، بل خُفضت درجاتهم.
تحدث نجّار بإسهاب عن مكانة القضاة، وضرورة احترام سلطتهم، ولكن هذا لا يعني أن الاستقامة المسلكية ملازمة لجميع القضاة، والشواهد على ذلك كثيرة، فكيف يمكن المواطن أن يشتكي من «ظلم» بعض القضاة له، وما هي آليات ذلك؟. يوضح وزير العدل هذا الأمر بالإشارة إلى أن القوانين المرعية «تنص على آلية معينة تقدم بموجبها الشكاوى إلى هيئة التفتيش القضائي، أو إلى وزارة العدل، التي تحيل الشكوى بعد ذلك على التفتيش».
ارتفعت نبرة صوت الوزير وهو يتحدث عن هيئة التفتيش القضائي، فاستنكر «بقاء الحال على ما هي عليه الآن»، مشدداً على ضرورة ملاحقة موضوع تعيين هيئة كاملة للتفتيش القضائي، في إشارة إلى أن هناك عضوين فقط من أصل عشرة أعضاء في هذه الهيئة، التي يُفترض بها أن تشرف على ملفات متعددة في مختلف المناطق اللبنانية. ونوّه نجّار بوجود قاضيين في هيئة التفتيش «يهتمان بإجراء كل تحقيق إلى حين اكتمال الهيئة، وتعيين رئيس لهيئة التفتيش القضائي والأعضاء الباقين».
وكان لافتاً أن الخلوة القضائية عُقدت في فندق «موفنبيك»، ولم تعقد في مبنى وزارة العدل، وهذا ما يرتّب على خزينة الدولة أعباءً إضافية. وعن سبب ذلك أكد مسؤول في الوزارة لـ«الأخبار» أن السبب الوحيد هو «ضيق الأماكن والقاعات في الوزارة، ولذلك قررنا عقدها في الفندق نظراً لعدد القضاة والشخصيات القانونية المدعوّة إلى الخلوة. هذا هو السبب، ولا شيء آخر».
المسؤول في العدلية تحدث عن الإنجازات التي تميزت بها وزارة العدل في ظل ولاية الوزير نجّار خلال عام 2009، منها ورشة «تنقية القضاء»، التي أدّت إلى عزل أحد القضاة، وكذلك أُلّف خلال هذه السنة مجلس القضاء الأعلى، وأُنجزت التشكيلات القضائية، وجرى تطبيق قانون تنفيذ (خفض) العقوبات، والمباشرة ببناء مشروعي المدينة القضائية والمحكمة النموذجية
حضر الخلوة كلّ من المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، المدير العام في وزارة العدل القاضي عمر الناطور، الوزير السابق خالد قباني، أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وأعضاء مكتب مجلس الشورى والتفتيش القضائي، ورؤساء المحاكم الاستئنافية في لبنان وحشد من القضاة.


التحقيق في الضاحية بين نجار ورمضان

استعجلت بعض الشخصيات السياسية في توجيه انتقادات إلى القوى الأمنية، لـ«عدم قدرتها على القيام بواجبها» إثر الانفجار الذي وقع في حارة حريك. لم يكن الأمر صحيحاً، وهذا ما أوضحه وزير العدل إبراهيم نجّار لـ«الأخبار»، الذي أكد أنه اتصل بمفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية رهيف رمضان، وقال الأخير له إنه «توجه إلى مكان الحادث عندما استطاع ليلاً، ووجد أن الانفجار وقع في مكان مظلم تحت الأرض، تنبعث منه الروائح الكريهة ولا يمكن الولوج إليه ومعاينته بسهولة». وذكر نجار أن القاضي رمضان طلب في ضوء ذلك من القوى العسكرية مؤازرته لإتمام مهمته. وفي هذا السياق، استمع القاضي رمضان، أمس، إلى إفادات بعض الشهود، وينتظر الآن تسلّم تقارير الأدلة الجنائية والخبراء العسكرييين والفحوص المخبرية والـ«دي أن أي» التي رُفعت من مكان الانفجار.


التبليغات

رأى وزير العدل إبراهيم نجّار أنّ كلمة «استنابات» غير صحيحة، وذلك في ردّه على سؤال عن مصير ما يُعرف بـ«الاستنابات القضائية السورية» بحق شخصيات لبنانية. وقال لـ«الأخبار» «إن الدولة السورية لم تستنب القضاء اللبناني للقيام بتحقيق ما، بل هي تبليغات، وقد وُجّهت إلى أشخاص مدعى عليهم، وهذا موضوع نتعاطى معه كما ينص عليه القانون من دولة إلى دولة، لا إعلامياً».
ولكن، بعيداً عن الآليات التي سوف تُعتمد من جانب الدولة اللبنانية، أين أصبح هذا الموضوع؟ أجاب نجار أن «الموضوع لم ينتهِ بعد، وما زال بحاجة إلى استكمال»، مردفاً «ليس للإعلام أو لأيّ أحد الحق في معرفة إلى ماذا آلت الأمور، قبل معرفة النظير السوري لذلك». وختم ممازحاً «ها قد أجبت عن السؤال بإجابة مبكّلة ومخيّطة».