تسود حالة من الترقّب لمعرفة نتائج الطعون الانتخابية... إعلان المجلس الدستوري لهذه النتائج بات وشيكاً. هل من طعون ستقبل؟ أم ستُرفض بمجملها؟ أسئلة لن تبصر أجوبتها النور قبل إعلانها رسمياً، في ظل «حماسة» بعض المعنيين و«برودة» البعض الآخر.
محمد نزال
تتجه الأنظار اليوم نحو المجلس الدستوري، ففي أدراجه 19 طعناً انتخابياً بحق 18 نائباً في المجلس النيابي، وذلك بعدما شارفت المهلة القانونية لإعلان النتائج على الانتهاء. فبعد مضي نحو 5 أشهر على إعلان نتائج الانتخابات النيابية، ونحو 4 أشهر على تسلّم الطعون، لم يفصح المجلس الدستوري عن النتائج التي خلص إليها بعد دراسة تلك الملفات. بيد أن صدورها «بات وشيكاً، بعدما انتهت عملية دراسة أغلب الملفات، وسينتهي قريباً النظر في الملفات الباقية، من المتوقع صدور كل النتائج في شهر تشرين الثاني الجاري»، بحسب ما أكدّ مرجع دستوري لـ«الأخبار».
يتساءل حقوقيون وأهل الاختصاص، فضلاً عن السياسيين، عمّا إذا كان المجلس الدستوري سيقبل أيّاً من الطعون، ويبطل نيابة أحد النواب الذين دخلوا المجلس وشغلوا المكاتب وعلّقوا اللوحة الزرقاء على سياراتهم. هكذا، فإن «الدستوري اليوم أمام امتحان كبير جداً جداً في أول استحقاق له، على عكس المجالس السابقة، لأن الأخير أُلّف ودخل إلى حيّز الوجود وكان أمامه استحقاق داهم»، بحسب ما رأى العضو السابق في المجلس الدستوري القاضي سليم جريصاتي.
يتكتم أعضاء «الدستوري» عن الإفصاح عن النتائج قبل الانتهاء من دراسة كل الطعون، لكن «العمل في التحقيقات قائم ليل نهار، والضمير مرتاح، لكن لغاية اليوم لا نتائج حاسمة بعد».
طعن 19 خاسراً في الانتخابات النيابية في نيابة 18 نائباً أُعلن فوزهم. عن دائرة زحلة جاءت الطعون على الشكل الآتي: إلياس سكاف ضد نقولا فتوش، سليم عون ضد إيلي ماروني، رضا الميس ضد عاصم عراجي، حسن يعقوب ضد عُقاب صقر، فؤاد الترك ضد طوني أبو خاطر، كميل معلوف ضد جوزف معلوف.
أما عن دائرة المتن الشمالي، فقد طعن كلّ من إميل كنعان وسركيس سركيس وماجد إدي أبي اللمع وإلياس كرامة، في نيابة إبراهيم كنعان وسليم سلهب ونبيل نقولا وإدغار معلوف. غسان الرحباني طعن في نيابة ميشال المر، وغسان الأشقر في نيابة سامي الجميّل. في دائرة بيروت الأولى، طعن نقولا صحناوي في نيابة ميشال فرعون، وفي بيروت الثانية طعن عدنان عرقجي في نيابة نهاد المشنوق. في دائرة عكار، طعن كل من مخايل الضاهر ورشيد الضاهر في نيابة هادي حبيش. في دائرة جبيل، طعن رامي عليق في نيابة عباس هاشم. أخيراً، في دائرة جزين، طعن عجاج الحداد في نيابة عصام صوايا.
قال النائب السابق حسن يعقوب إن المجلس الدستوري «أجرى مقابلات معنا واستمع إلى الإفادات من مختلف الأطراف، وهو اليوم أمام اختبار إعادة الاعتبار، وخاصة أنّ رئيسه عصام سليمان اتفق مع بقية الأعضاء على ضرورة تثبيت الثقة بالمجلس». وقال لـ «الأخبار» أن ملفه يحتوي العديد من الشكاوى منها «استحداث 341 سجل قيد جديد في زحلة، وذلك قبل مدة وجيزة من موعد الانتخابات، حيث كانت عمليات نقل النفوس تجري عشوائياً، وقد أسهم في هذه المخالفات فريق معيّن كان يعمل في وزارة الداخلية، وقد أوردت أسماءهم مع الوقائع ضمن الشكوى». طعن يعقوب في نيابة عُقاب صقر، متهماً إياه بـ«إثارة النعرات الطائفية والمذهبية قبيل الانتخابات، وتحديداً في بلدة سعدنايل، وقد ضمنت شكواي تسجيلاً بالصوت والصورة يثبت ذلك». من جهته، نفى النائب صقر ذلك قائلاً إن «الادّعاء غير صحيح»، ولفت إلى أن كلامه الذي ألقاه في بلدة سعدنايل قد حُرّف عن معناه الحقيقي.
وكان يعقوب قد أشار لـ«الأخبار» إلى أن شكاويّ تحمل عدّة عناوين، منها «زيادة حصلت في لوائح الشطب خلافاً للقانون، وأُضيف بموجبها 12 ألف صوت، وهذه الزيادة حصلت بعد تصحيح وزارة الداخلية للوائح، أي بعد تاريخ 30 آذار الفائت، وكل ذلك موثَّق لدينا. إضافة إلى ذلك، فإن المال الانتخابي كان حاضراً، إذ وصل سعر الصوت الواحد إلى 3000 دولار، ولدينا شهود على ذلك، وعلى المجلس الدستوري أن يتحقق من ذلك، ويتحقق أيضاً من سحب مبلغ 240 مليار ليرة لبنانية من مصرف لبنان لمصلحة بنك البحر المتوسط، يوم الجمعة في 5 حزيران الماضي».
نبيل نقولا: «إما أن يطير ميشال المر وإما يطير المجلس الدستوري»
في المتن الشمالي، يدور الحديث بين المعنيين بملف الطعون عن «إمكان» قبول طعن واحد على الأقل، يرى النائب نبيل نقولا أنه «إما أن يطير ميشال المر أو يطير المجلس الدستوري»، في إشارة إلى الطعن المقدّم من قبل غسان الرحباني في نيابة المرّ. وأشار نقولا في حديث لـ«الأخبار» إلى أن الشكاوى التي تقدم بها مع زملائه «ثابتة وموثّقة، وهي عبارة عن دفع أموال ورشى، إضافة إلى تهديد المرّ لبعض المواطنين بإلحاق الأذى بهم في حال عدم التصويت له». من جهته، رأى المستشار الإعلامي لدى النائب ميشال المرّ أن ما ذُكر «هو كلام غير دقيق، ولعل العكس هو الصحيح، أي لعل نيابة أحد من تكتّل التغيير والإصلاح هي التي ستطير»، مشيراً إلى أن ملف الطعون «ما زال قيد التحقيق والدراسة، ولم تصدر النتائج بعد، وعندما تصدر سوف نرى».
أما عن دائرة بيروت الأولى، فأشار نقولا صحناوي، الطاعن في نيابة فرعون، إلى أن «تعاطي المجلس الدستوري كان مهنياً، ولكن نحن لدينا قرائن وإثباتات ضمن الشكاوى". ورأى صحناوي في حديث مع «الأخبار» أن مهمة المجلس الدستوري «محورية في إرساء الديموقراطية في البلاد، واليوم لديه دلائل كافية بشأن الطعون تمكّنه من الخروج بنتائج، فإما أن تلغى نيابة المطعون في نيابته وإما أن يعاد الانتخاب فرعياً». بدوره، أعرب النائب نهاد المشنوق عن ثقته بالمجلس الدستوري، مشيراً إلى أن الطعن في نيابته، المقدّم من قبل النائب السابق عدنان عرقجي، يتحدث عن نقل نفوس حصل سابقاً في بيروت الثانية، ولكن «في كل الأحوال، فزت بفارق 9000 صوت، والناس صوّتوا بنسب عالية جداً ولا أحد يمكنه تجاهل الناس».
ينص قانون إنشاء المجلس الدستوري على مهلة 3 أشهر للانتهاء من إعداد التقارير عن الطعون، وذلك من قبل المقررين الذين يكلّفهم رئيس المجلس الدستوري بذلك. ثم يجتمع المجلس فور ورود التقارير لمطالعتها، بحسب المادة 29 من القانون المذكور، وتبقى جلساته مفتوحة إلى حين صدور القرار الحاسم، على ألّا تتعدى مهلة إصداره شهراً واحداً. يرى بعض المتابعين أن مهلة الثلاثة أشهر الأولى قد انتهت، ودخلنا في المرحلة الثانية، وهي مرحلة إعلان النتائج. لكنّ بعض الحقوقيين يرون أن هذه المدة هي «حثّية» وليست «إسقاطية»، بمعنى أنه يمكن المجلس أن يمدّد المهلة إذا ارتأى ذلك، علماً بأن مواد القانون لا تشير إلى ذلك، لكنها تأتي في إطار «الاجتهاد الدستوري»، وهذا ما كان قد أشار إليه سابقاً رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان. يشار إلى أن الطعن لا يوقف نتيجة الانتخاب، بحسب ما نصّت المادة الـ26. ويُعَدّ المنتخَب نائباً، ويمارس جميع حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الانتخابات، إلى أن يصدر المجلس الدستوري كلمته الفصل.


استقلالية «الدستوري»

رأى العضو السابق في المجلس الدستوري، القاضي سليم جريصاتي، أن المجلس «يقوم على ضمان حق الأقلية النيابية في مناقشة قوانين تضعها الأكثرية في الأنظمة الديموقراطية البرلمانية».
بشأن تأثير السياسة على عمل المجلس وأعضائه، وخاصة أن المجلس النيابي ينتخب نصفهم فيما تعيّن الحكومة النصف الآخر، أشار جريصاتي في حديث مع «الأخبار» إلى التجربة الفرنسية على هذا الصعيد. فحين عيّن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، روبير بادنتير، وهو أحد كبار الحقوقيين الذي أزال عقوبة الإعدام، قال الأخير في خطابه بعد قسم اليمين متوجّهاً إلى ميتران «حان وقت العقوق والجحود»، ما يعني أنه لن يكون أسير الجهة التي عيّنته في اتخاذ قراراته. كذلك، بعدما ارتأى الوزير الديغولي ميشال دوبريه إنشاء المجلس الدستوري، قال إنه كان يجهل أن المجلس سيضطلع بهذا الدور المهم. وقال الجنرال ديغول، ما بين المجلس الدستوري وفرنسا، أختار فرنسا، وذلك لأن المجلس الدستوري أخذ دوره ضابطاً للإيقاع وسلطة دستورية متفلّتة من أي ضابط، اصطدم بها ديغول مراراً.