انطلق أمس إضراب نقابة المحامين، احتجاجاً على تعرض رجال من قوى الأمن لأحد المحامين في طرابلس، وحصول إشكال بينهم وبين نقيب المحامين، القضية تتفاعل، الانتخابات الفرعية في النقابة أُجلت... ومخاوف من اتساع الاختلاف
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
تفاعل على نطاق واسع الإشكال الذي وقع أمس الأول في طرابلس نتيجة منع عناصر قوى الأمن الداخلي المكلّفين حراسة مدخل السرايا، نقيب المحامين السابق عبد الرزاق دبليز من الدخول بسيارته إلى مقر النقابة، وتعرّضهم بالضرب للمحامي طوني فرنجية للسبب ذاته، وذلك بالتزامن مع حصول إشكال بين العناصر ونقيب المحامين الحالي أنطوان عيروت، الذي تدخّل لحل الإشكال الأول، لكن العناصر الأمنيين لم يتجاوبوا معه.
تجاوزت تداعيات الإشكال موضوع تأجيل الانتخابات الفرعية في النقابة، التي كانت مقرراً إجراؤها أول من أمس، وتأجلت إلى يوم الأحد المقبل لعدم اكتمال النصاب، فقد كشفت ردود الفعل عن تباينات بين طرفي الخلاف (النقابة ومؤسسة قوى الأمن الداخلي) بحسب ما قال لـ“الأخبار” متابعون للقضية، ويتوقع هؤلاء أن يتّسع الاختلاف ويأخذ أبعاداً جديدة في المرحلة المقبلة.
بعد البيان التوضيحي الذي أصدرته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إثر الإشكال، عقد عيروت أمس مؤتمراً صحافياً في مكتبه، بحضور نقباء سابقين وحشد من المحامين غصت بهم النقابة في اليوم الأول من الإضراب المفتوح، الذي أُعلن “رداً على التعرض لأعضاء فيها”، وقد رأى عيروت أن ما ورد في بيان المديرية تضمن “مغالطات”.

أين الكاميرا؟

أعلن نقيب المحامين في المؤتمر “يقولون إن دركياً أصيب بخدوش جراء الاعتداء، هذا قول اعتدناه، فكل دركي يضرب مواطناً يصدر بيان عن قوى الأمن الداخلي يقول إن الدركي أصيب بخدوش فاضطررنا إلى الرد”، مشيراً إلى أنه “إذا كان هناك كاميرا عند مدخل السرايا، فليأتوا بالشريط ويعرضوه على التلفزيون، ليروا أنهم هم من اعتدوا على المحامي وبدأوا بالشجار، وإذا لم يكن هناك كاميرا، فذلك تقصير أمني منهم”، لافتاً إلى أنه “رغم اتصالي بآمر سرية درك طرابلس العقيد بسام الأيوبي الذي لم يردّ، واتصال غرفة العمليات بنا، واتصال العميد المتقاعد أمين صليبا بمسؤول منطقة الشمال في قوى الأمن الداخلي العميد علي خليفة، واتصال المحامي فرنجية بمحافظ الشمال ناصيف قالوش، حاولنا أن نتريّث أكثر من عشر دقائق لمعالجة الإشكال، إنما للأسف العقلية التي تتحكّم في تصرفات العناصر الأمنيين لم تعد مقبولة أبداً”.
رأى عيروت أن الإشكال “بلغ حداً غير مسبوق، لأنه ترافق مع اعتداء جسدي على محام في حضور النقيب والمحامين، وكنا واعين للموضوع، والمناسبة كانت ديموقراطية، وكان يُفترض بالقوى الأمنية تسهيل الإجراءات لها لأننا نُجري عملية انتخابية”.
شكر عيروت وزيري الداخلية زياد بارود والعدل إبراهيم نجار والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي على “اتصالهم وتعاونهم في معالجة الموضوع”، لافتاً إلى أن “الإضراب تحذيري”، وأوضح “حاولنا معالجة الموضوع بالحكمة التي يجب أن تتحلّى بها العلاقة بين القوى الأمنية ونقابة المحامين والعدالة، لكن البيان كما أُذيع يختصر تصرفات متكررة تحصل مع المواطنين والمحامين بالذات على مدخل السرايا وقصر العدل، وهي السبب الذي دفعنا إلى عقد هذا المؤتمر، للرد على البيان لنقول إنه كله غلط، ولا توجد فقرة فيه إلّا وهي غلط”.
نفى عيروت ما أورده البيان عن أن العقيد الأيوبي “جاء إليّ

المحامي فرنجية والنقابة سيرفعان دعوى أمام القضاء بخصوص الإشكال

وطلب أسماءً”، كاشفاً أنه “طلب مني موقف سيارة لأحد الزملاء فقلت له لا، عندك موقف في السرايا فليوقفوا سياراتهم فيه”، ورجّح أنه “يمكن هذا القول سبّب عنده ردّ فعل”. وأشار عيروت إلى أن المحافظ قالوش “وغيره لا يملكون سلطة على نقابة المحامين، نحن لدينا خط مرور، ونقيبها هو من يحدّد أسماء الداخلين والخارجين، أمّا القول بأن السيارة التابعة للمحامية ماري تريز سيارة مجهولة، وتقودها سيدة مجهولة، فهو غير صحيح، لأنني أبلغت الحرس عند التاسعة والنصف أن هذه السيارة ستدخل”.
النقيب الأسبق عبد الرزاق دبليز قال “سننتظر الإجراءات التي ستُتخذ بحق العناصر الأمنيّين، وبقدر ما يعطوننا سنعطيهم”، فيما رأى النقيب الأسبق فادي غنطوس أن “المطلوب من وزير الداخلية اتخاذ تدابير وإجراءات لا إعطاء تطمينات فقط، وهذا لا يكون إلّا بنقل العقيد الأيوبي من مكانه، لأنه مسؤول عن تصعيد الموقف حيال حادث سخيف، ولم يكن من داع ليأخذ الحجم الذي أخذه لو لم يكن هناك نيّات مبيتة مسبّقاً”.

قصة المدخل المستقل

غير أن النقيب الأسبق خلدون نجا كشف لـ“الأخبار” أن “هناك إجراءات قضائية ستُتّخذ بحق العناصر الأمنيين المتورطين، والمحامي فرنجية والنقابة سيرفعان دعوى أمام القضاء بهذا الخصوص، وسنرصد تطوّر الأمور ثم على أساسها سنتّخذ الخطوات المقبلة”، مؤكداً أن النقابة “ليست في صراع مع القوى الأمنية، كما أننا لن نقبل أن تعطّل مصالح المواطنين التي تأخذها النقابة بعين الاعتبار، وسنتوصل قريباً إلى تفاهم ينهي الأزمة”، لكنّ نجا أوضح أن “حوادث التعرّض للمحامين عند دخولهم للسرايا وقصر العدل لم تعد فردية وعابرة، بل تتكرر دائماً، وهذا أمر غير مقبول، من هنا نطالب بأن يوضع على الباب الرئيسي عناصر من القوى الأمنية يتّسمون بالدبلوماسية واللياقة، لا من يظن أنه في معركة وعليه أن يطلق النار، لأنه لو حاول عناصر الدرك استيعاب الأمور أكثر، وتسهيل دخول النقيب والمحامين في يوم انتخابي واستثنائي لما وصلنا إلى هنا”.
لم يفت نجا الإشارة إلى مطلب مزمن لدى المحامين، وهو أنه “لو كان للنقابة مدخل مستقل لما حصلت كل هذه الأمور، ولأننا لا نريد أن تكون الأمور “فلتانة”، ندعو إلى أن يكون عند المدخل المقترح عناصر أمنيون يتعاملون باحترام مع المحامين، بطريقة توفّق بين الحفاظ على كرامتنا من جهة، والحفاظ على الأمن والنظام من جهة أخرى”.

التزام الإضراب

أما في ردود الفعل، فقد التزم المحامون في نقابة المحامين في بيروت قرار النقابة بإعلان الإضراب أمس تضامناً مع نقابة المحامين في طرابلس. وأصدرت النقابة بعد اجتماع استثنائي عقدته أمس برئاسة النقيب رمزي جريج بياناً، استهجنت فيه وأدانت “الاعتداء الذي تعرّض” له فرنجية في حضور عيروت “الذي لم يحترم المعتدون صفته وموقعه”، وتساءلت “عما إذا كان من امتهن الدفاع عن الآخرين، قد أصبح في حاجة إلى من يحميه من تعديات من يُفترض به أن يكون مكلّفاًً الحفاظ على سلامة المواطنين؟”.


الأحدب ينتقد فرع المعلومات

تجاوز الإشكال الجانب النقابي والأمني إلى الجانب السياسي، مع دخول النائب السابق مصباح الأحدب (الصورة) على الخط، الذي رأى أنه “بعيداً عن الدخول في ملابسات ما جرى في انتخابات نقابة المحامين، فقد أصبح واضحاً أن ثمة فريقاً من فرع المعلومات يحاول زجّ نفسه في الحياة السياسية والانتخابية في لبنان، وهذا أمر غير مقبول، ويذكرنا بأيامٍ ولّت، ولا يجوز أن يصبح قاعدة جديدة، لأنه ينعكس سلباً على عمل مؤسسة قوى الأمن الداخلي”، داعياً المعنيين إلى “معالجة هذا الخلل الداخلي للحفاظ على هذه المؤسسة المهمة، ووضع الضمانات لعدم السماح لهذا الفريق، صاحب الولاء المشبوه، بالتدخل في الحياة السياسية”.
وأوضح الأحدب لـ“الأخبار” أن هذا الفريق “يجرب التدخل في الانتخابات وفق معايير وقواعد جديدة، وهذا أمر مرفوض حفاظاً على المؤسسة الأمنية، التي تُلقى على كاهلها قضايا ومشاكل لأن جسمها يبدو “لبيساً”، مشيراً إلى أنهم “إذا فكّروا في أن يفعلوا مثل ما كان يفعل محمد خلّوف (مسؤول الاستخبارات السورية في طرابلس) فلن ينجحوا، لأنه كان أذكى منهم، بينما هم طلاب فاشلون!”.