لم يطابق حساب حقل موسم الزيتون حساب بيدره هذا العام، وكأنه لا تكفي حرب تمّوز التي استخدمت فيها إسرائيل أسلحة كان من تأثيرها على الموسمين الماضيين شحّ في الثمر، وأمراض أصابت ما أينع منه، أما عواصف اليومين الفائتين، فقد تكفّلت بهرّ ما نسبته 80% من زيتون المنطقة وإتلافه
حاصبيا ــ عساف أبو رحال
لن تنتهي العاصفة إلّا بخراب “البيوت”. هذا ما خلص إليه مزارعو الزيتون في الجنوب، بعدما باغتتهم العاصفة بقوّةٍ لم يحسبوا لها حساباً، فأطاحت موسماً قضوا أشهراً في الاعتناء به. ثلاثة أيّامٍ من جنون الطبيعة كانت كافية لتحويل شجرة الزيتون إلى ضحيّة أولى في منطقة حاصبيّا، وليكون المزارع الخاسر الأكبر. هل هي خسارة فحسب؟ بل هي ضربة قاضية لمزارع تطاير رزقه أمام ناظريه في مهبّ الرياح، فالعاصفة التي استبقت موعدها جرفت ما بين 30 إلى 80% من محصول صار معظمه على الأرض، فيما احتفظت بعض الشجرات “أنجأ بكم حبة”. هكذا، لم يعد في اليد حيلة سوى انتظار تحسّن الأحوال الجوية للملمة ما بقي من المحصول. وإلى أن يأتي الفرج، تحتلّ خسائر الموسم المضروب مركز الصدارة في أحاديت المزارعين خلال سهراتهم. فمنهم من يندب حظّه السيّئ قائلاً “كان عندي 500 مدّ (وحدة قياس تساوي 20 كيلوغراماً) زيتون على الشجر, صاروا على الأرض”، وآخر يتلو فعل ندامة لم يعد ذا جدوى “لو بلّشنا بالشغل قبل 15 يوم ما حدا كان غلبنا”، وثالث يعزّي نفسه “بالاتّكال على الربّ لإنقاذ الباقي”.
ترك مزارعو حاصبيا قطافهم حتى اللحظة الأخيرة توخياً لزيت أفضل
لكن، ماذا بعد التحسّر؟ كيف سيجري التعاطي مع الأزمة التي يمكن أن تضرب ما بقي على الشجر ربّما؟ وهل هو ذنب مزارعي حاصبيا، الذين تركوا موسمهم حتى اللحظة الأخيرة توخّياً لزيت افضل، فيما عمد المزارعون في بلداتٍ أخرى إلى قطف حبّات محصولهم قبل اشتداد العاصفة؟ هنا، ألقى رئيس الجمعية التعاونية الزراعية في راشيا الفخّار، المهندس الزراعي غيث معلوف، مسؤولية جهل المزارعين كيفية جني محصولهم على كاهل وزارة الزراعة، والمؤسسات المدنية التي “ترهقنا بمحاضراتٍ يخرج منها المزارع كما دخل إليها”. وعن أسباب تساقط المحصول أرضاً، يشير معلوف إلى “أن زراعة الزيتون وإنتاج الزيت تالياً في منطقة حاصبيا يقومان على طرق بدائية تقليدية، تفتقر إلى أبسط قواعد العناية والرقابة”، ويردّ ذلك إلى “القدرات المادية للمزارعين من جهة، ومن ثَمّ غياب البرامج والإرشادات والمساعدات الزراعية من المؤسسات المعنية التي من شأنها توعية المزارع، ووضعه على السكة الصحيحة نحو جودة في الإنتاج ووفرته”. هل العاصفة هي وحدها التي خرّبت الموسم؟ ثمّة ما يوازي العاصفة في خرابها، وهو “السوسة” أو ما يسمّونها “ذبابة المتوسّط”، حيث يلفت معلوف إلى أن “العاصفة جاءت لتكمل ما بدأته السوسة والعثّ(مرضان من أمراض شجرة الزيتون) الذي أدى إلى تساقط الثمر أواخر الشهر الماضي”. وعلى هذا الأساس، ستظهر النتيجة على المحصول، إذ يقسّم معلوف هذا الموسم ثلاثة أقسام: “المطروح أرضاً، يُستخدم في صناعة الصابون، أما الثمار المصابة الباقية على الشجر، التي ترتفع فيها نسبة الأسيد، فتُستخدم لصناعة زيت الدرجة الثانية، وتبقى الثمار الجيدة غير المتساقطة والمصابة، بحيث يصنع منها زيت الفئة الأولى، الذي سيكون سعره مرتفعاً”.
وفي جولةٍ على قرى حاصبيا، وحاصبيا نفسها، لمعرفة الأرقام الدقيقة لتلك الخسارة، أشار مختار قرية أبو قمحة راشد أبو راشد إلى أن “العواصف أثّرت سلباً في المُنتَج بنسبة تراوح ما بين 40 و50%، يضاف إليها ما نسبته 30% بسبب ذبابة المتوسط”.
وأكد رئيس التعاونية الزراعية في حاصبيا، التي تضم 243 مزارعاً، رشيد زويهد، “أن نسبة الحمل هذه السنة بين 50 و60%، وهي نسبة مرتفعة بعض الشيء، وخصوصاً أن أشجار الزيتون لم تكن تحمل هذه الكمية قبل بضعة أعوام بسبب حرب تمّوز”. ويلفت زويهد إلى “أن هذه النسبة لم نفرح بها، فقد أتلفت العاصفة منها ما نسبته 40%، وهي نسبة عالية جدّاً”. وكالعادة في مثل هذه الظروف، يفتقد المزارعون الدولة “إذ لا تعويضات حتى لو ذهب الموسم بالكامل”، يقول زويهد. ويضيف: “يُترك المزارع وحيداً، يتخبّط في بحر من المشاكل والمعوقات، فيما قدراته المادية متدنية جداً، بالكاد تكفي لسد لقمة عيشه، ودفع أجرة اليد العاملة، التي ارتفعت أخيراً لتصل إلى حدود 40 ألف ليرة، بعدما كانت العام الماضي حوالى 20 ألف ليرة”.
أما المزارع متري السكاف، فيتحدّث عن العاصفة التي غيّرت “معادلة القطاف”، ويقول إنه “عادةً يبدأ القطاف في المناطق التي ترتفع عن سطح البحر حوالى ألف متر، ومنها منطقتنا، من الآن حتى أواخر تشارين، لكن العاصفة الجنونية، التي لم نشهد مثلها منذ أكثر من 30 عاماً ضربتنا في العمق، لأنها لم تكتف بإسقاط الحبات بل اقتلعت أغصاناً في طريقها”.
لكن، لن يكون المزارع هو المتضرّر الوحيد، فأصحاب المعاصر أيضاً تشملهم هذه الخسارة، وخصوصاً أن هؤلاء يتقاضون أجرهم زيتاً. وفي هذا الإطار، يلفت صاحب معصرة حديثة في منطقة الكفير، فارس كساب، إلى أنّ “المعاصر تتقاضى زيتاً أجرة عصر الزيتون، وإذا كان هذا الزيتون رديئاً، فبالطبع سيكون الأجر رديئاً”. ولدواعٍ استثنائية، يدعو كساب الدولة إلى إنقاذ أصحاب المعاصر “كأن تقوم بشراء الزيت الذي نتقاضاه لقاء عملنا بسعرٍ عادل، وتوزيعه على المؤسسات العسكرية”.
مقابل هذه “المصيبة” التي حلّت ببعض البلدات الحنوبية، “لحّقت” بلدات أخرى نفسها، وأنقذت ما نسبته 80% من الموسم قبل أن تفعل العاصفة فعلتها. وفي هذا الإطار، بدأ بعض مزارعي قرى العرقوب في كفرشوبا وكفرحمام وراشيا الفخار والهبّارية القطاف مطلع تشرين الأول، وقد أتت هذه الخطوة في مصلحتهم، حيث لم يبقَ على الشجر سوى 20% من الموسم. وهو أمر يسهل “تقبّل خسارته مقارنةً بخسارتنا نحن في حاصبيا”، يختم المزارع متري سكاف، الذي كان يُنتج 20 طناً من الزيتون، وبات ينتج نصف الكمية.