الضنية ــ عبد الكافي الصمدالبقاع ــ عفيف دياب
رغم غزارة الأمطار التي هطلت في اليومين الماضيين في الضنية، والتي عدّها مسنّون ظاهرة «لم نشهد لها مثيلاً منذ سنوات طويلة»، فإن هذه الأمطار لم تسبّب خسائر كبيرة هنا، على غرار ما شهدته مناطق لبنانية مختلفة. وتعود أسباب مرور العاصفة المطرية على الضنية بحد أدنى من الخسائر إلى عاملين هما: طبيعة المنطقة ذات التضاريس الجبلية التي تحول دون تجمّع المياه، فتتدفق تجاه الأودية والأنهار، وعطش التربة في المنطقة نتيجة تأخّر الأمطار أكثر من شهر، ما جعلها تمتص أغلب ما هطل.
ورغم ذلك، لم تمرّ العاصفة من دون أضرار. ففي جرد الضنية، سبّبت انهيارات صخرية قطعت الطريق التي تربط بين بلدتي القمامين وقبعيت، وهو مشهد يتكرر سنوياً، من غير أن تقوم وزارة الأشغال ولو ببناء جدار دعم، لمنع الانهيارات مستقبلاً. وقد تعذّر على الأهالي العبور بسياراتهم عليها، ما دفعهم إلى محاولة فتحها جزئياً بأنفسهم، لكونها الطريق الوحيدة التي تربطهم بالخارج.
أما على الساحل، فقد كان تأثير العاصفة أكثر وضوحاً. ففي البداوي تحولت الطريق الدولية التي تربط طرابلس بعكار وسوريا إلى بركة كبيرة علقت فيها عشرات السيارات. وعلى امتداد الطريق من مستديرة الملولة عند مدخل طرابلس الشمالي إلى بلدية البداوي ومفرق مخيمها، تجمعت الأمطار التي تدفقت من جبل محسن والمنكوبين وجبل البداوي على الطريق، جارفة الوحول والأوساخ، الأمر الذي تعذّر على قنوات تصريف المياه استيعابه ففاضت.
وباشرت ورش بلدية البداوي واتحاد بلديات الفيحاء إعادة فتح قنوات تصريف المياه، وسحب بعض السيارات التي تعطّلت. وفي بلدة دير عمار المجاورة، غمرت الأمطار النفق الموجود عند مدخل البلدة على الطريق الدولية نفسها، فأغلقته أمام حركة المرور، ما اضطر العابرين إلى استخدام الجسر الذي يعلو النفق.
وفي البقاع، بدأت العاصفة بالانحسار منذ ما بعد ظهر أمس، بعد أن ألحقت أضراراً ببعض المزروعات (العنب)، وأعطت دعماً للمزروعات الشتوية كالقمح والشعير. فالأمطار الغزيرة التي تساقطت طيلة الأيام الماضية في مشهد مناخي لم يسجل سابقاً في هذه الفترة، حسب رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة ـــــ رياق ميشال افرام، وصل مجموعها في منطقة البقاع الأوسط خلال أقل من 24 ساعة إلى 64 ملم (100 ملم في بعض مناطق لبنان) ما رفع مجموع الأمطار الهاطلة منذ بداية الموسم الجاري إلى 165 ملم مقارنة مع 43 ملم كانت قد سجلت في الفترة نفسها من العام الماضي (المعدل السنوي 35 ملم). ويقول افرام لـ«الأخبار» إن هذه الظاهرة «لافتة جداً، حيث لم نلحظ غزارة كهذه سابقاً في لبنان». وأضاف أن «التغيّر السريع في الطقس يدخل ضمن التطرف المناخي الذي يسيطر على الكرة الأرضية. وهي تقلّبات ليست معهودة عندنا». وكانت الأمطار الغزيرة التي هطلت في منطقة البقاع قد حوّلت الطرقات العامة والفرعية إلى أنهار جارفة معها الحصى والأتربة، ما أعاق حركة السير، ولا سيما على طريق ضهر البيدر الدولية التي بدأت تشهد «زحلاً» في أكثر من موقع جرّاء التنفيذ العشوائي لعمليات صيانة الطريق خلال الفترة الماضية، فيما شهدت الحركة التجارية والاقتصادية تراجعاً في أسواق زحلة وشتورا وبر الياس وقب الياس، حيث التزم الأهالي منازلهم حول المدافئ، في ظل انقطاع متكرر للتيار الكهربائي الذي تضرّرت شبكته جرّاء الرياح القوية والعواصف الرعدية، بينما شهدت محطات المحروقات إقبالاً على شراء مادة المازوت التي بدأت تنشط في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 22 و24 ألف ليرة.


إلى البحر

أكد رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة ـــــ رياق ميشال افرام، لـ«الأخبار»، أن الطقس العاصف الذي سيطر على لبنان في الأيام الماضية «لا يمكن عدّه إشارة إلى أن شتاء لبنان سيكون قاسياً هذا الموسم، فمن الصعب التحدث عن توقعات مناخية مقبلة، لكن ما شهدناه يعدّ غير مسبوق عندنا في هذه الفترة». وأوضح افرام أن «معظم الأمطار أحدثت سيولاً انتهت في البحر أو في بعض مجاري الأنهار، ولا يمكن القول إنها غذّت الينابيع أو الحوض الجوفي الذي يعاني من شحّ منذ سنوات. فرغم الكمية الكبيرة من المتساقطات، فإننا لا نزال نحتاج إلى كميات أكبر مع ثلوج كثيفة حتى يمكننا القول إن الينابيع أو الأحواض الجوفية قد انتعشت أو تغذّت بما تحتاج إليه حتى تستعيد نشاطها أو مخزونها الطبيعي».