العقاب السياسي معوّقاً للإنماءزحلة ــ عفيف دياب
لم تعهد مدينة زحلة العقاب السياسي من السلطة التنفيذية المركزية لمجرد أنّ بلديتها توالي طرفاً سياسياً في المدينة، يعارض سياستها. عقاب يشرّع الأبواب على ذاكرة لا تزال حية في وجدان الأهالي، الذين يفاخرون بأن مدينتهم عرفت العمل البلدي قبل قرن ونصف قرن. فقد أنتجت مجلساً للعموم من شيوخها عام 1856، واتخذ أعضاؤه ختماً مركّباً من مجموعة قطع على عددهم، يأخذ كلّ منهم قطعة، فلا يستطيعون أن يختموا به إلّا عند اجتماعهم. هذا الختم المركّب، يعدّه الزحليون أول صيغة من نوعها للعمل البلدي، الذي سبق ولادة بلدية إسطنبول عام 1868.
 الصراع السياسي ـــــ الانتخابي على السلطة المحلية، ليس طارئاً أو مستجداً على حياة المدينة الانتخابية، التي لم تعرف مجالسها البلدية “تزكية” تذكر منذ الاستقلال، حتى الانتخابات الأخيرة عام 2004. إلّا أن صراع الزحالنة اليوم على “ختم” البلدية سيكون أكثر قساوةً، وقد بدأت كلّ القوى تعدّ العدّة له. بل يمكن القول إن الاستعدادات لم تتوقف منذ إعلان نتائج انتخابات عام 2004، يوم نجح تيار النائب السابق إلياس سكاف في حسم المعركة لمصلحته ضد لائحة كانت تلقى دعماً محدوداً من “الوصاية السورية”، الرئيس الراحل إلياس الهراوي، وأجهزة السلطة الأمنية، في بدايات عهد الرئيس السابق إميل لحود.
يزيد من حماوة المعركة المرتقبة، إذا أُجريت الانتخابات في موعدها، أن زحلة غالباً ما كانت تردّ على انتكاس زعامتها التقليدية في الانتخابات النيابية عبر الانتخابات البلدية والاختيارية. وهذا ما لا ينفيه رئيس البلدية المحسوبة سياسياً على تيار سكاف، المهندس أسعد زغيب. فيقول إن “الاستعدادات بدأت، وسنخوض الانتخابات المقبلة على رأس لائحة مكتملة”. يضيف: “أنا مرشح لاستكمال الرؤية التي نعمل وفقها في المجلس البلدي، فنحن نجحنا في انتخابات دورتَي 1998 و2004، وقدمنا خدمات إلى كلّ الزحالنة، بغضّ النظر عن المواقف والمواقع السياسية”. لذلك فإن ما يستغربه، هو العقاب السياسي الذي تواجَه به المدينة على الصعيد الإنمائي. يقول: “الصراع السياسي بين القوى العائلية والحزبية في المدينة ليس جديداً، لكنه لم يُنتج يوماً عقاباً سياسياً جماعيا للمدينة، ولم تشهد زحلة عبر تاريخها السياسي الطويل حرماناً مماثلاً لمجرد أن بلديتها توالي هذا الطرف أو ذاك”.
 لا يخفي زغيب انتماءه السياسي “لكن عندما تفوز بمنصب عام، عليك أن تترك الحزبية وتعمل لمصلحة كل أبناء المدينة، وتنظر إليهم بعين واحدة، لا كما تفعل بنا الدولة الآن”. هو لا يستطرد كثيراً في الحديث عن تفاصيل هذا العقاب، مفضّلاً المحافظة على “شعرة معاوية” مع الفريق الحاكم، عساها تفعل فعلها إنمائياً. لكن أي حديث عن إنجازات البلدية ومشاريعها لا يمكنه أن يمرّ من دون الإشارة إلى معوّقات اعترضت العمل من هنا أو هناك. يوجز زغيب: “كانت حصة بلدية زحلة في الصندوق البلدي المستقل عام 2001 نحو 3 مليارات و750 مليون ليرة”، و“لسبب سياسي، لا لسبب آخر، خُفض المبلغ إلى مليارين و600 مليون ليرة عام 2007. وقد برّرت الحكومة هذا الإجراء بالقول إن المردود المالي في الصندوق البلدي المستقل كان قليلاً، وحين سألنا لماذا زيد مبلغ 9 مليارات ليرة لمدينة بيروت، إذا كان مردود الصندوق قد تراجع، لم نتلقّ جواباً. أنا لا أفهم لماذا تنال البلديات المقرّبة من خط سياسي معيّن زيادة على حصتها المالية من الصندوق البلدي المستقل، فيما تعاقب البلديات الأخرى؟ وأقولها بكل صراحة، بلدية زحلة عوقبت سياسياً، وكل التبريرات التي قُدّمت إلينا لم تكن مقنعة”. في هذا الإطار، لفتت مصادر في بلدية بيروت إلى أن الزيادة التي حصلت عليها كانت استعادة لحقوقها، لأنها أصلاً كانت تتقاضى مبلغاً أقلّ من النسبة التي تستحقها بناءً على عدد السكان.
السؤال الآخر الذي يطرحه الزغبي يتعلق بالخدمات التي توزّعها مؤسسات الدولة “استنسابياً” كما يقول. يعطي مثلاً: “كم متراً من الزفت قُدّم إلى زحلة منذ 11 سنة؟ لا شيء. فيما قدّمت الهيئة العليا للإغاثة زفتاً إلى البلديات المحسوبة على طرف سياسي معيّن في منطقتي البقاع الأوسط والبقاع الغربي”. يضيف: “إذا كانوا لا يريدون إعطاءنا أموالاً فليسهّلوا لنا معاملاتنا، ويمرّروها بسرعة أو من دون واسطة. إنجاز معاملاتنا حقّ لنا ولا أدري لماذا هذه العرقلة المتعمّدة. عندما تخصّص لبلديتي هبة مالية من الخارج لتنفيذ مشاريع إنمائية وخدماتية تتوقف المعاملة في مجلس الوزراء ولا يُفرج عنها. فيما كان الوضع مختلفاً أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث كانت معاملاتنا تنجز في لحظات، وخصوصاً معاملات الهبات المالية التي تخصّص للبلدية”. يختم زغيب “المسؤول عندنا يميز بين مواطن وآخر لحسابات سياسية، ورغم ذلك استطعنا أن ننجز الكثير من المشاريع الكبرى، كالبارك البلدي، وشبكة حديثة من الطرق، وبدأنا بمشروع تطوير منطقة البردوني، والوسط التجاري، وغيرها من القضايا الإنمائية، وتطوير البنى التحتية للمدينة ونطاقها البلدي”.