كان الجوّ حاراً، والعصافير حتماً لا تزقزق. لا شيء أساساً يزقزق هنا، باستثناء شرطي السير المزهوّ بـ«سحبات» فتاة عشرينية. كلّ شيء في هذه المدينة يوحي بالكآبة في الصيف: زحمة السير، عاشقان يتشاجران في باركينغ للسيارات، صور الزعماء، الأموات منهم والأحياء، كل هذه المباني الشاهقة، وهؤلاء الذين لم يتعبوا من مناقشة «القضايا الكبرى للأمة» في المقاهي. ثمّ كيف تحوّلت النساء إلى شقراوات مع شفاه منفوخة؟ أكاد لا أرى شفتيّ في زحمة السيليكون هذه.
ليكتمل المشهد السريالي، يصرخ رجل جالس على طرف الطريق، مقابل مكتبة «أنطوان»: «احتشمي يا حُرمة». ولمن فقد البوصلة، أنا هي الـ«حرمة» المقصودة. أنظر إلى جسدي، لا شيء ظاهراً سوى كتفَيّ وأصابع رجليّ. يعيد الرجل عبارته مرّة ثانية، ولكن بصيغة مبلورة «تستّري يا حرمة، الدنيا رمضان». من بين كل نساء الحمرا، قرّر صديقنا الملتحي أنني أنا شخصياً، سبب عثرة له في «الشهر الفضيل». أبتسم في سري، وأكمل طريقي باتجاه «الكونكورد». كلّ شيء في هذه المدينة يوحي بالكآبة: فيروز لم تعد تغنّي، جدّتي رحلت إلى الأبد، و... الملتحون اجتاحوا الأرصفة والأجساد.
ليال...