حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

كان يا ما كان في قديم الزمان وجديده، كان (ولا يزال) هناك رجل اسمه محمود عبّاس، صفته «الرئيس الفلسطيني»، وكنيته أبو مازن. لهذا الرجل حكاية مع «الشجرة»، ليس من منطلق بيئي، ولكن من واقع سياسي. حكاية في الغالب فُرضت عليه، هو عمليّاً لا يريدها، لكنه فجأةً يجد نفسه على قمّة هذه الشجرة، ويبدأ بالبحث عمّن ينزله عنها. للحكاية فصول بدأت مع انطلاق عملية التسوية، وتحوّل هذا الرجل إلى المسؤول الأول والأخير عنها من الجانب الفلسطيني. آخر فصولها هو ما تشهده الأراضي الفلسطينية والعواصم العربية، مع الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وما جاءت به من تحوّلات في مواقف الإدارة الأميركية في ما يخصّ شروط استئناف المفاوضات.
“لا مفاوضات قبل تجميد الاستيطان”، هذا هو موقف أبو مازن حاليّاً. لكنه عمليّاً موقف جديد عليه، وهو جارى به الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي رفع هذا الشعار فور تسلّمه مقاليد الحكم في البيت الأبيض. أبو مازن فرح بهذا الشعار وتماشى معه، وصعد إلى قمة شجرة الشروط للجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي، معتصماً بآمال “التغيير” التي راودت العرب جميعهم، على اعتبار أن هذه الإدارة ستكون مختلفة عن سابقاتها في ما خصّ التعاطي مع إسرائيل.
آمال وشروط لم تكن تمثّل هاجساً لأبو مازن في السابق؛ فالاستيطان لم يسبق أن مثّل عقبة بالنسبة إليه في موضوع التفاوض. الاستيطان لم يمنع لقاءاته الكثيرة مع إيهود أولمرت، ولم يمنع عقد مؤتمر أنابوليس، الذي تضاعفت بعده عمليات البناء الإسرائيلي. حتى هو نفسه يقول إنه توصل مع أولمرت، الذي «يشتاق إليه»، إلى شبه اتفاق تسوية نهائي على وقع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية والحفريات والتهجير في القدس المحتلة.
هذا الشرط لم يكن سابقاً على لائحة عبّاس التفاوضيّة، لكنه لم يكن يستطيع تجاهله حين وضعه أوباما أساساً لاستئناف المفاوضات على اعتبار أن “أهل القضيّة أولى بشروطها”. المشكلة بالنسبة إلى أبو مازن اليوم هي أن أوباما نزل عن شجرة هذه الشروط، وتركه عالقاً في قمّتها، بعدما توصلت السيدة كلينتون إلى صفقة مع حكومة بنيامين نتنياهو على استمرار البناء في ثلاثة آلاف وحدة استيطانية، وتحييد القدس المحتلة من عملية «كبح» الاستيطان، التي وافقت عليها حكومة اليمين الإسرائيلية.
أبو مازن بات وحيداً فوق الشجرة. لم يعد باستطاعته التراجع أو القفز فوق مواقفه العنترية في ما خص شروط المفاوضات، ولا سيما أنه مقدم على انتخابات لا يحتاج فيها إلى تراجع إضافي في شعبيته، فيكفيه ما أحدثته فضيحة غولدستون.
لكن تاريخ أبو مازن يؤكّد أن لن يقبع كثيراً على الشجرة، لا بد أنه يبحث عن سلّم للنزول، تماماً كما فعل في أيلول الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين جمعت القمة الثلاثيّة أوباما وعبّاس ونتنياهو. ولمن لا يذكر، فتلك الفترة حفلت بمواقف من أبو مازن عن رفض اللقاء مع نتنياهو في ظل استمرار الاستيطان. لكن مع إصرار الإدارة الأميركية على عقد القمة الثلاثية، التي كانت مخصصة لتدشين انطلاق المفاوضات، خرجت الجوقة المحيطة بعبّاس لتبرير النزول عن “شجرة الشروط”. تبريرات من قبيل “عدم تعطيل الجهود الأميركية” و“عدم الظهور في مظهر المعرقل” و“إبداء حسن النية تجاه جهود أوباما”.
الجوقة نفسها ستخرج قريباً لتقوم بدور سلّم الإطفائي وتسهيل عمليّة النزول. البوادر بدأت مع الحديث العلني والتسريبات عن “ضغوط أميركية” و“رسائل تهديد” من إدارة أوباما إلى الرئيس الفلسطيني، وتلويح بقطع المساعدات الاقتصاديّة. وستليها لا شك مواقف عن توضيحات هيلاري كلينتون، ورسائل طمأنة وضمانات من الإدارة إلى الدول العربية، التي يدرك أبو مازن أنه لا يمكن التعويل عليها كثيراً في دعم تمسّكه بشروطه. ومن المؤكّد أنه لم يطرب فرحاً لإعلان عبد الله الثاني وأحمد أبو الغيط وعمرو موسى تأييد موقفه بربط المفاوضات بالاستيطان. تأييد هزلي فارغ من المضمون. ومن يسمع هذا التعبير يظن أن الدول العربية صاحبة قوة ضغط سياسي وعسكري قادرة على تبديل المواقف الدولية، رغم أن العكس هو الصحيح. وهذا التأييد لن يلبث أن يتحوّل إلى ضغط على الموقف الفلسطيني، تماماً كما حدث في السنتين الأخيرتين من حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات. التصريحات الأخيرة لأبو الغيط خير شاهد: نؤيد مفاوضات بلا شروط.
أبو مازن فوق الشجرة. لن يقبع طويلاً. سيجد سلّماً ما للنزول، وحينها من الأفضل له أن يقطع هذه الشجرة من أساسها، إذا كان غير قادر على الحياة في كنفها.