كيف يمكن استخدام القانون لدراسة الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيّين منذ التهجير والنكبة عام 1948، أمس افتُتح مؤتمر “إسرائيل والقانون الدولي” في محاولة للإجابة عن الأسئلة المرتبطة بصراع العرب مع إسرائيل
محمد نزال
“لماذا نشارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة ونلتزم بقوانينها، ما دامت إسرائيل لا تلتزم بأيّ من القرارات الدولية، ولا تدع قانوناً دولياً إلّا وتخرقه؟”. سؤال أطلقه أحد الحاضرين في المؤتمر الذي افتتحه مركز “الزيتونة” للدراسات والاستشارات، أمس، بعنوان “إسرائيل والقانون الدولي”، بمشاركة نحو 120 من الخبراء المتخصصين في القانون الدولي، وباحثين وأكاديميّين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، يمثلون 20 بلداً عربياً وأجنبياً، وذلك في فندق “كراون بلازا” ـــــ بيروت.
“للأسف. يجب أن نلعن الحكومات العربية التي لم تعمل لفرض تنفيذ القانون الدولي في قضية فلسطين، ولكن في المبدأ فإن من مصلحتنا التمسك بهذا القانون في مقابل تطوير قدراتنا الذاتية”، هذا ما قاله القانوني الفلسطيني أنيس قاسم، أثناء تقديم ورقته، ولا بد من الإشارة إلى أن قاسم كان ضمن الوفد القانوني الفلسطيني في مفاوضات مدريد.
820 كليوتراً هو طول “جدار الفصل العنصري” في الضفة الغربية، هو 7 أضعاف جدار برلين، مع ارتفاع 7 أمتار. جدار أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً بعدم شرعيته، ودعت إلى إزالته “فهذا أمر يمثّل تفعيلاً لمواجهة الأخطار المترتّبة على بناء الجدار، وكل ما يحتاج إليه التفعيل هو قرار سياسي”، بحسب ما رأى أنيس قاسم.
ألقى المقرّر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الدكتور جون دوغارد، الكلمة الرئيسية في المؤتمر. لقيت كلمته ترحيباً واسعاً من الحاضرين، كما وُصفت بـ“الجريئة”، فذكر أن “إسرائيل تجاهلت، ولا تزال، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 القاضي بوجوب السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم، وأنها ارتكبت منذ السنة الأولى لإنشائها جرائم ضد الإنسانية بطريقة ممنهجة، ورفضت الرضوخ لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل قضية اللاجئين، المجتمع الدولي غضّ الطرف منذ البداية عن جرائم إسرائيل”. دوغارد ترأّس لجنة تقصّي الحقائق المستقلّة التي انتدبتها الجامعة العربية عن العدوان الأخير على غزّة، والتي تأسّست في شباط الماضي، ورأى في كلمته “أن إسرائيل سوف تعتمد في تقرير غولدستون على “فيتو” 3 دول في مجلس الأمن، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كما سيمتنع عضوان عن التصويت”، لافتاً إلى أنه “بإمكان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية أن يفتح تحقيقاً بالجرائم التي ارتُكبت في غزة بناءً على طلب من السلطة الوطنية الفلسطينية”.
علّق الوزير السابق بشارة مرهج على كلمة دوغارد، قائلاً “إنها تؤكّد من جديد عدالة القضية الفلسطينية”، مشدّداً على ضرورة “وقوف السياسة إلى جانب القانون من أجل تثبيت الحق واستعادة ما سلب منه”.
جوّ من التشاؤم سيطر على مداخلات أغلب الحاضرين، وذلك مع ترداد عبارات من القاموس العربي في الصراع مع إسرائيل مثل “إنها دولة مجرمة. إسرائيل تمارس جرائم التطهير العرقي”. تميّزت بعض الكلمات التي ألقيت بعمقها القانوني، منها كلمة المتخصّص في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري، الذي لفت إلى لغط حاصل في الخطاب العربي لدى بعض القانونيّين، الذين يتحدثون عن “حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم أو ديارهم، فيما يجب أن يكون الحديث عن حق عودتهم إلى بلدهم، وتحديداً إلى بيوتهم، بحسب ما نص عليه القرار الدولي رقم 194. هذا التعبير أكثر دقةً، لكون الوطن يمكن أن يكون محتلاً، الأمر الذي تترتّب عليه تداعيات قانونية”.
وأشار المصري في كلمته إلى أن قبول إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة جرى بموافقة 192 دولة، ولكن هذه الموافقة جاءت مشروطة بالتزام إسرائيل بالقرار 181 الذي لحظ قيام دولة عربية فلسطينية، إضافةً إلى التزامها بالقرار 194 المتعلق بعودة اللاجئين.
في عام 1982، رأت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل “دولة متخلّفة عن التزاماتها”، وعدّتها مخالفة للمادة من مقرّرات الجمعية، أي إنها “دولة لا تحبّ السلام”. وطلبت عزل إسرائيل وعدم مدّها بالأسلحة، ثم انتهى هذا التوصيف عام 1992 مع بداية اتفاق أوسلو.
تناوب المؤتمرون على إلقاء الكلمات، فتحدثت المتخصصة في حقوق اللاجئين الفلسطينيين نجوى حاوي، عن تهجير إسرائيل للفلسطينيّين عن أراضيهم سنة 1948 من وجهة نظر القانون الدولي، فرأت أن القضية الفلسطينية، ولا سيما حقوق الشعب الفلسطيني، تجد لها أساساً متيناً في القانون الدولي العام، ولا علاقة لتكريسها لا بسيادة أيّ دولة ولا بالمفاوضات ولا بالاتفاقات التي تنجم عن هذه المفاوضات. ختمت حاوي كلمتها بالإشارة إلى ما يمكن أن يمارَس على أرض الواقع، بعيداً عن القانون النظري، وذلك بنضال الشعب المعنيّ ومطالبته المستمرة بتطبيق قواعد هذا القانون، إذ لا يستطيع المسار السياسي لهذه القضية أن يُسقط أو يزيل الحقوق القانونية المعترف بها، وإذا لم يحصل الفلسطينيون عليها “فعليهم عندها أن يتابعوا الكفاح المسلّح للوصول إلى حقهم”.
من جهته، اقترح الأكاديمي والمتخصص في القانون الدولي عمار ملحم، إنشاء مركز قانوني يكون مرجعاً منظّماً للجهود القانونية لخدمة الحق في القضية الفلسطينية، وفي طليعته حق العودة والتعويض، كما يوفّر التدريب اللازم في هذا المجال ويجمع أصحاب الاختصاص والخبرة إلى جانب عدة عائدات أخرى، قانونية وسياسية وتجارية واجتماعية.

الفقه القانوني الإسرائيلي لم يبرّر اعتبار القدس الشرقية أرضاً إسرائيلية

الناشط في مجال حقوق الإنسان عبد الرحمن محمد علي، تحدث عن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً لمعاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي تعدّ الاستيطان “جريمة حرب”، لكن المحكمة الجنائية الدولية “لا تملك الاختصاص القانوني لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليّين، إلّا إذا أُحيلت من جانب دولة مصدّقة على النظام الأساسي”. ولذلك، فإن تصديق سوريا ولبنان عليها في الوقت الحاضر “هو الوسيلة الوحيدة لإعطاء المدعي العام الوسيلة القانونية للبدء بالتحقيق في الجرائم التي ارتُكبت في منطقة الشرق الأوسط”، بحسب ما رأى محمد علي.
رئيس دائرة العلوم السياسية في جامعة عين شمس المصرية عبد الله الأشعل شرح أن الفقه القانوني الإسرائيلي لم يستطع أن يبرّر كيف تعدّ إسرائيل القدس الشرقية أرضاً لها. ثم تحدّث أستاذ القانون الدولي في جامعة لندن، إيان سكوبي عن “الممارسات الإسرائيلية في ضوء حظر العنصرية”. كما تحدّث كيرتس ديوبلر أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح في نابلس ـــــ فلسطين، عن “حقوق الطفل والمرأة في الضفة الغربية وقطاع غزّة”. وأخيراً، شدّد الباحث والأكاديمي السيد أبو الخير على “انتهاك إسرائيل لحقوق الأسرى في الضفة الغربية وقطاع غزّة”.


جون دوغارد: بطاقة هوية

ولد جون دوغارد عام 1936 في جنوب أفريقيا، يعمل حالياً أستاذاً للقانون الدولي في عدد من الجامعات في أكثر من دولة. شغل منصب مدير مركز “لاوتيرباخت” للقانون الدولي في جامعة كامبريدج بين عامي 1995 و1997. عُـيِّـن عام 1998 صاحب كرسيٍّ في القانون الدولي العام في جامعة “ليدن” في هولندا. حصـل على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعات “كايب تاون، ناتال وبورت، إيليزابيت، بريتوريا، فيت فاترسرانت”. في عام 1997، أصبح عُـضواً في لجنة القانون الدولي، التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 2000، أصبح مقرّرها الخاص في ما يتعلق بالحماية الدبلوماسية. في عام 2000، عمِـل أيضاً قاضياً منتدباً، للنظر في القضايا المتعلِّـقة بالأعمال المسلّحة فوق أراضي الكونغو في محكمة العدل الدولية. في عام 2001، قدّم توصيات إلى الأمم المتحدة، بخصوص أوضاع حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على المستوى الدولي. في عام 2007 رأى أنّ من العسير عدمَ استخلاص أن العديد من قوانين إسرائيل وممارساتها، تنتهك معاهدة 1966، المتعلِّـقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.