خرج رجلا أمن من بين الزحام، أمس، وسحبا رجلاً من قلب شاحنته. صفعاه وأهاناه. تابعا سيرهما كأن الأمر عادي، فيما وعدت قيادة قوى الأمن الداخلي بمعاقبة أي مسيىء إلى صورة القوى الأمنية
أحمد محسن
وقفت السيارات، أمس، في صف طويل، يمتد من أول “طلعة” الكوكودي، إلى آخرها. الزحمة بديهية هناك. يخيّل للسائق أن نهاية الطريق، هي نهاية العالم، لكثرة الاصطفاف. تترك العجلات الأرض، وتدوس القلب من شدة البطء. أمر طبيعي أن يختنق السائقون، في انتظار جلاء الوقت. كان ذلك في الواحدة ظهراً. ثمة حفريات على جانب الطريق، في الجهة المحاذية لنفق المطار تحديداً. هكذا، يصبح المشهد لبنانياً خالصاً. تراب وحفر دخيلة تسيّج الطريق، وأبواق سيارات.
أكد مسؤول أمني رفيع أن قوى الأمن الداخلي ستعاقب الفاعلَين
لم يكن ينقص إلّا الحدث، ليمجّد اللحظة. وبالفعل، ظهر رجلا أمن وسط الضوضاء القاتلة. نزلا من سيارة رباعية الدفع، من نوع رانج روفر، رصاصية اللون. كان تمييزهما سهلاً، رغم التشابه الفاضح بين ألوان بزّتيهما العسكريتين، ولون السيارة التي تحمل لوحة مدنية. لكنها لحظة. جرى الأمر كله في لحظة. خرجا من السيارة، مذعورَين، كأن شيئاً خطيراً يحدث. ولم يكن الشيء الخطير سوى سائق الشاحنة، التي كانت ملاصقة لسيارتهما، في الخط الثاني من الطريق. تطورت الأمور بسرعة دراماتيكية. وفي لحظة أيضاً، سحبه أحدهما من الشاحنة. وللناظر العادي هنا، أن يرفع القبعة لرجل الأمن، على سرعته وخفّته. يتوقع في المرحلة التالية أن ينتقل رجال الأمن، والسائق “الخطير”، إلى جانب الطريق، تمهيداًَ لتوقيفه. لكن هذا لم يحصل. وفي منتصف الطريق، صفع أحد رجال الأمن العامل الأسمر على رقبته بقوة. كان ضخم البنية لدرجة أن العامل ترنّح يميناً. ويمكن المتابع، في هذه الحالة أن يقول عصبية غير مبرّرة، وأوقفاه أخيراً.
لم تظهر أية أصفاد. وعندما أعاد أحد رجلَي الأمن يده إلى الخلف، لم يكن يبحث عن أيّ منها. أطلق العنان لقبضته فأصاب السائق الضعيف البنية في معدته. سقط أرضاً. رفعاه. ساعدتهما بنيتاهما الضخمتان على ذلك. أعاداه إلى شاحنته بالطريقة ذاتها التي أخرجاه بها. وكي يكتمل إذلاله، صفعاه مجدّداً. حصل كل هذا في منتصف الطريق ووسط الزحمة الواضحة. عادا إلى سيارتهما “منتصرَين”. أما السائق، فشعر برغبة في الاختفاء. فقد وعيه، واصطدم بالشاحنة أثناء صعوده إليها، والله وحده يعلم كيف استطاع معاودة القيادة بعد هذا الدرس القاسي. درس في الانضباط واحترام الأمن. لم يحرّك الناس ساكناً، ولم يصدر أي اعتراض، فالضارب يحمل صبغة رسمية. بزّته منحته صلاحية إهانة العامل. وانطلقت أبواق السيارات مرة ثانية، في دليل على تذمّر المواطنين من الشلل الضارب في حالة السير، لا اعتراضاً على الواقعة الشائنة. الإنسان الوحيد الذي سجّل اعتراضاً، كان سيدة تقود سيارة صغيرة. اعتراض طفيف. اكتفت بالعبوس قليلاً، وقالت: “حرام”. وما لبثت هي الأخرى أنّ انضمّت إلى قوافل المحتجين على الزحمة. في هذه الأثناء، عاود رجلا الأمن سيرهما باتجاه تحويطة الغدير. كان وجهاهما أصفرين ودميمين. حتى ضحكة المنتصرَين التي زيّنت فَمَويهما، كانت بشعة. انطلقت السيارات. وتابع العامل شقاءه اليومي. أمس، ومكافأةً له على عمله، عاد بألم جديد، و“سحسوحين”. يرى اللبنانيون فعل الصفعة على الرقبة فعلاً يقصد به الإذلال عموماً، لكن هذا المشهد الحقيقي، الخالي من أي إضافات سُريالية، والمستند إلى شهادات مواطنين عاينوا الحدث، يعيد الحديث بقوة، عن أزمة الثقة بين المواطنين وقوى الأمن الداخلي. وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة إلى أن الفاعلَين قد يكونان من المجنّدين، الذين يرى فيهم ضباط كبار في المؤسسة كارثة قوى الأمن. على أي حال، فإن قيادة قوى الأمن الداخلي، وعدت بمتابعة الأمر، ومعاقبة أيّ مسيئين إلى صورة قوى الأمن الداخلي. وفي الإطار ذاته، أكد مسؤول أمني رفيع أن التحقيقات بدأت لمعرفة الفاعلَين، وهي “على مستوى عال من الجديّة”.