يتوقع بدء التدريس في شعبة كلية العلوم في الجامعة اللبنانية في عكار نهاية هذا الشهر، وهو أمر غاية في الأهمية بالنسبة إلى الطلاب. لكن واقع الشعبة المفتتحة لم يكن على مستوى الحفاوة التي واكبت الإعلان عن الموضوع، إذ تظهر المتابعة التفصيلية «تساهلاً» كبيراً في أداء الجامعة اللبنانية، كما في مستوى التعاطي مع العكاريين بالنسبة إلى قضية التعليم الجامعي
روبير عبد الله
افتتاح شعبة لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية في عكار. خبر لم يرقَ لأهميته أي خبر آخر. فهو حلم راود مخيلة الطلاب العكاريين الموزعين على كليات الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة. طلاب يبلغ عديدهم المشتت هنا وهناك ما يربو على عدد الطلاب في الكثير من فروع الجامعة.
تدفعك الحماسة إلى مشاهدة العمال والفرق الفنية التي اجتهدت وكالات الأنباء في توصيف تجهيزها المبنى الجامعي. تقصد تكميلية حلبا حيث الشعبة الموعودة، لكن مجرد نظرة أولى تكفي لتبديد الحماسة. إذ يطالعك مشهد محل الميكانيك قبالة التكميلية ــــ الجامعة، وبجانبه محل لبيع قطع الغيار، وما إلى ذلك مما لا ينبئ بمبنى أكاديمي يؤمه طلاب جامعيون. على أي حال، تدخل المبنى، لتقابل مدير التكميلية محمود عياش الذي يكتفي بجواب على عجل «التدريس قد يبدأ نهار الاثنين المقبل». وصعوداً نحو الطابق الأخير لتكتشف أن «الورشة الفنية» ليست إلا «معلم تلييس» واحداً، فيما جوهر الأعمال التحضيرية المنجزة يتلخص بخلع جدار بين صفين سابقين وتحويلهما إلى قاعة تدريس، ليصبح لدينا إضافة إلى غرفة مقفلة قاعتان للتدريس، وبجانبهما غرفة أخرى لمدير الشعبة. تلك هي المعلومات الشحيحة والوقائع المتواضعة التي بالإمكان الحصول عليها ميدانياً، والباقي بحسب أحد المدرسين في التكميلية بتصرف الفرع الثالث لكلية العلوم في طرابلس الذي تتبع له الشعبة.
في الفرع الثالث تجيبك مصادر معنية بأن ملفات الطلاب المسجلين ستبقى في طرابلس. وأن إدارة الفرع بعدما تبلغت بافتتاح شعبة تتضمن غرفتين لتدريس طلاب السنة الأولى، اقتصر دورها على تأمين مقاعد لمئتين وخمسين طالباً، لأن التوقعات تقدر عدد الطلاب في تلك الشعبة بحوالى المئتين. والآلية المعتمدة هي وضع إعلان يتضمن السماح لمن يرغب من الطلاب بالانتقال إلى حلبا. وفي دردشة مع بعض الإداريين تبين أن الأساتذة الذين سيُكلّفون بالتدريس في حلبا هم من الأساتذة المتعاقدين بالساعة، ذلك أن أساتذة الملاك غير متحمسين للذهاب إلى هناك. وإذا لم يتوافر العدد المطلوب من الأساتذة؟ بالإمكان التعاقد مع أساتذة جدد. كما سيكلّف الدكتور محمد العثمان الذي يدرّس في الفرع الخامس في النبطية بإدارة الشعبة في عكار، وهو في ملاك الجامعة.
في سياق استفساره عن الموضوع يدخل حمزة دعاس، من وادي خالد وهو طالب سابق سنة ثانية ــــ علوم حياة، ليسأل في أمر تسجيل أبناء عمه. ويبدي دعاس حماسته لافتتاح شعبة لكلية العلوم في حلبا، لأسباب عدة، أهمها مشكلة السكن الإلزامي بقرب الجامعة، لأن وادي خالد تبعد زهاء سبعين كلم عن طرابلس.
أما الطالبة رابعة العلي من بلدة الدوسة، سنة ثانية فيزياء، فتقول إنها تمضي ثلاث ساعات في الطريق إلى الجامعة، فـ«لا يبقى وقت للدرس، بخلاف زملائي الذين يسكنون بجوار الجامعة». وتدفع سماح حسن (سنة ثانية معلوماتية) 125 ألف ليرة أجرة الباص شهرياً. وهذا الباص مخصص لنقل طلاب الجامعة من قريتها عين الزيت، ومن قرى خربة شار وعين تنتا والدوسة والدوير. لكن سماح تقول إن تكميلية حلبا صغيرة، فقد تقدمت للامتحانات الرسمية فيها، وهي لا تتسع للكثير من الطلاب. وتضيف أنها تفضل أن يكون لعكار مجمع جامعي كامل ومستقل لأن أكثر طلاب الفرع الثالث هم من عكار.
ولا يعطي أستاذ الكيمياء حسن عوض من عين تنتا أهمية كبيرة للمبنى الجامعي، فهو يركز على المستوى العلمي، ما دام الأساتذة أنفسهم، والبرنامج ذاته سيعتمد في حلبا كما في طرابلس. فالمهم برأيه نوعية الإنتاج، وبالتالي فالخطوة جيدة وهي تخفف من تكاليف السكن أو الانتقال.
ويرى محمد الأسعد الأستاذ في علم اجتماع التنمية، أن الخطوة مهمة جداً، وخصوصاً في سياق تحويل عكار إلى محافظة، وما ينبغي أن تتضمنه من مؤسسات، لا سيما العلمية منها والثقافية. ويذكر الأسعد أن العديد من طلاب عكار يختارون الفروع النظرية التي لا تتطلب متابعة يومية صارمة، وذلك توفيراً لأعباء النقل. كما يساهم فتح شعبة في عكار في توسيع دائرة تعليم الفتيات لأن بعض العائلات المحافظة في عكار تمتنع عن إرسال بناتها إلى طرابلس. ومن ثم فإن افتتاح الجامعات في عكار يخلق فرص عمل جديدة. ويأمل الأسعد إذا أثبت فتح الشعبة الحالية جدارته أن يصار إلى استحداث مبنى جامعي لائق، يتسع لمجمل الاختصاصات العلمية. ويقدر الأسعد من خلال تدريسه أكثر من عشرين سنة في معهد العلوم الاجتماعية في طرابلس أن نصف طلاب المعهد تقريباً هم من منطقة عكار. فلماذا لا يتمكن الطلاب في أقصى الحدود من متابعة تحصيلهم الجامعي؟
في الجدوى الاقتصادية لافتتاح شعبة العلوم توفير عن كاهل الطالب يقدر بحوالى 120 مليون ليرة. وهو فارق كلفة النقل بين حلبا وطرابلس، يقابل هذا الفارق ما تتكبده الجامعة اللبنانية من ميزانيتها بحوالى المئتي مليون ليرة بالحد الأدنى من متطلبات تشغيل تلك الشعبة. أما عن الجدوى الثقافية والتربوية، وطالما اقتصر الفرع ــــ الحلم على مجرد شعبة في المرحلة الراهنة وفق قرار الإدارة المركزية للجامعة، والراهن بحسب الشائع في بلدنا هو دائم، فقد جرى تحويل التعليم الجامعي إلى تعليم مدرسي بحت وفي أضيق أطره. وهذا يمثل سياقاً طبيعياً في تدهور حال الجامعة اللبنانية، جامعة سبعينيات القرن الماضي وستينياته، كما يُعدّ تمثلاً صادقاً لنظرة الأهالي نحو ما يتجاوز التدريس من الأنشطة الجامعية. فالمحاضرات الثقافية والنقاشات الفكرية بنظرهم مضيعة للوقت، والأطر الحزبية مقدمات للممارسات الميليشياوية، بل حتى الكافيتريا بما تمثله من مجال لبناء علاقات في إطار من الحرية المسؤولة باتت انفلاتاً أخلاقياً غير مأمون العواقب. لذلك جميلة هي فكرة استحداث صفين لتدريس العلوم، وإن كانا لا يتمتعان بشروط أصغر مدرسة للتعليم الابتدائي.


بين البلمند واللبنانية

في العام الماضي، وُضع الحجر الأساس لفرع من جامعة البلمند في عكار. والفرع يتألف من بناءين: الأول على أطراف بلدة بينو بمساحة مئة ألف متر مربع. والثاني في سهل عكار بمساحة 50 ألف متر. يتوقع إنجاز المشروع الذي سيشمل الاختصاصات كلها في عام 2011. ولتكن عكار نموذجاً لتنافس حرّ بين التعليمين الرسمي والخاص