حسن خليل


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

«صدرت قرارات عن مجلس الأمن تطالب الولايات المتحدة بحلّ الـ“National Gard”، والسعودية بحلّ الحرس الوطني، وإيران بحلّ قوات الباسيج. لم يستغرب «العالم الديموقراطي» هذه القرارات لأن لمجلس الأمن سابقة هي القرار 1559 الذي طالب لبنان حينها بعدم التجديد لرئيس الجمهورية ونزع سلاح المقاومة». طبعاً الصحيح في الخبر أعلاه هو الجزء الأخير فقط، لأن قراراً يصدر عن أية مرجعية دولية وقانونية بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يكون مفروضاً على طرف ضعيف لا يتمتع بسيادة. هكذا عامل مجلس الأمن لبنان في السنوات الأخيرة، وأكد هذه المعاملة أخيراً بان كي مون في تقويمه لتطبيق القرار 1701 عندما لم تلفته القرصنة البحرية الإسرائيلية، ولا أجهزة التنصت في الأودية، ولا شبكات التجسس المنتشرة في لبنان ولا الطلعات المستمرة للطائرات الإسرائيلية، سوى في جملة خجولة. فقط، وجهارةً، يطالب الدولة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة بغضّ النظر عن سلطتها في قراراتها. تعليلان لا ثالث لهما يفسّران تصرف الأمين العام: إمّا أنه ومجلس الأمن لا ينظران إلى لبنان كدولة ذات سيادة، أو أنهما يستعملان القرارات للضغط السياسي على فريق داخلي لتأجيج الاصطفاف القائم. كلا، التعليلان إهانة لوجه لبنان الدولة، وإهانة أفظع في وجه «لبنان الشعب المقاوم». للأسف، في لبنان طرف داخلي يدعم هذا التوجه ويتفاعل معه، إن لم نقل يتعاون معه، منذ ما قبل تموز 2006 وحتى اليوم.
الاختلاف حق، وليس واجباً فقط. ومن حق أي طرف في الداخل الاعتراض أو الموافقة، بدءاً بدعم المقاومة في المطلق، مروراً بمن يدعمها شرط أن تكون جامعة لكل النسيج اللبناني، وصولاً إلى المطالبة بإلغائها «لأن لبنان لا يتحمّل عبء الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي وحده». ولكن مناقشة كهذه يجب أن تبقى ضمن الأطراف اللبنانية فقط وتترجم نتائجها من خلال سياسة تتبنّاها الدولة بالتوافق في ما بين اللبنانيين، لا من خلال تدخل عربي ودولي ـــــ حتى بحدود مجلس الأمن ـــــ في كيفية دفاع لبنان عن أراضيه وحقوقه. من هنا، كانت المفاجأة ـــــ الكارثة عندما ذهب «أحدهم» إلى الخرطوم ورفع صوته ضد حق شعبه بالدفاع عن الأرض، وكأن هذه الأرض ليست أرضهم، ما دفع بعض الوزراء إلى الانسحاب من جلسات مجلس الوزراء، ثم العودة عن الاعتكاف عندما جرت تسوية دفعته إلى أن يعلن أنه لو قصد المقاومة لسمّاها باسمها. وإلى حين تبنّي الدولة اللبنانية سياسة علنية أخرى تجاه المقاومة غير التي وردت في البيانات الوزارية السابقة، يبقى سلاحها شأناً داخلياً بحتاً لا دخل لأي مرجعية عربية أو دولية به.
طبعاً، هناك مَن سيدّعي أن الشرعية التي غطت المقاومة في «زمن الوصاية السورية» كانت مفروضة وغير متفق عليها. بل يتمادون إلى حدّ الادّعاء أن هذه الشرعية هي نتيجة طبيعية تفرضها بالقوة قوة السلاح نفسه التي كانت آخر ترجماتها 7 أيار. أكثر من ذلك، هناك مَن يجزم بأن الانقسام القائم في البلد لن يستوي دون إقرار حق الدولة في «قرار الحرب والسلم». ماذا يقال لأُناسٍ بعدما رفضوا أن يجدوا العزّة في عودة البناء والعمران على الحدود اللبنانية من خلال المقاومة، رفضوا أيضاً استنتاج الحماية الدنيا المطلوبة لبلدٍ ضعيفٍ مثل لبنان من خلال الواقع الردعي على الحدود. لم يقتنعوا بعد بأنه لا طرف عربياً أو دولياً ينوي تسليح الجيش اللبناني. وحتى لو سُلّح، فهل مَن يصدق أنه سيُسلّح إلى درجة استطاعته مقاومة إسرائيل؟ هل يمكن الاقتناع بأن أي طرف سيعطي سلاحاً للبنان لمواجهة السلاح الإسرائيلي؟ فُقد الناطق والمنطق.
أما في موضوع السابع من أيار، فقد يقال صراحةً ما بات معروفاً في الخفاء: لأن سلاح المقاومة هو الذي كان مستهدفاً من خلال قرارات مجلس الوزراء، ما جعل القائمين عليها يمنعون تفاقم الموقف إلى أكثر مما حصل حينها. فعراك الشوارع كان ميليشيوياً بامتياز، أشبه وعلى صعيد أكبر بكثير بما حصل في عين الرمانة: استفزاز تفاقم إلى حد الصدام، ترجمته السياسية القرارات الوزارية وترجمته الفعلية عنتريات ذهب ضحيتها أبرياء شبهاً بما حصل أيام الحرب الأهلية. فقط الجدال حول سلاح المقاومة حدّ من حجم المواجهة، وإلا لدخل لبنان في اشتباكات المحاور السابقة.
بلد بضعف لبنان في هيكليته وقدراته لا يمكن أن يدّعي أنه قادر على اتخاذ قرار حرب مع أي طرف. حتى المقاومة بكل إمكاناتها لا قدرة لها على ذلك. إذاً، هذه سخافة مَن يطالب بأن قرار لبنان ليس في يده بشأن الحرب. أما في موضوع السلم، فمن الطبيعي أن تكون جميع الأطراف السياسية متوافقة على إبرام اتفاقية سلام بين لبنان وأي دولة عدوة له، ولا يحق لأي طرف الاستئثار بقرار كهذا.
غريب أن هناك مَن ينسى أو يتناسى الصراع مع إسرائيل، وواقع الوجود المسلح الفلسطيني في لبنان، وشبح التوطين الذي لو حصل فقد يلغي آخر أسس التعايش بين «القبائل اللبنانية».
لا بد من التذكير مرة أخرى بأن أول واجب لأية سلطة هو تأمين الأمن للمواطن قبل الخدمات الاجتماعية، وأي سلطة لا تقوم بذلك إذا استطاعت يجب تغييرها. أما إذا لم تقم بواجبها الأمني نتيجة ضعف إمكاناتها، فعليها في الحد الأدنى تأمين كل أساليب الدعم من شرعية ولوجستية لأفراد شعبها، إذا قرروا أخذ أمرهم بأيديهم. السلطة التي تتخلى عن حق مواطنيها في الدفاع عن أرضهم تفقد هي الشرعية لا المقاومة. فلننتظر البيان الوزاري لـ«الحكومة الأعجوبة المنتظرة».