تعرف هيئة “وسيط الجمهورية” نجاحاً في عدد من الدول، توفّر التواصل بين الإدارة وكلّ من يخضع لسلطتها، مراجعة الوثائق التاريخية تلفتنا إلى أن الهيئة عُرفت في الصين وعند العرب. في لبنان أُقر وجودها، لكنها لم تولد بعد
بيسان طي
عبارة “وسيط الجمهورية” أو الـ Omboudsman لا تنتمي إلى القاموس المحكيّ الذي يتداوله اللبنانيون، رغم رواجها في عدد من الدول المتقدمة أو النامية.
إنه ذلك الوسيط بين المواطن والحكم، أو الإدارة السياسية، دوره محوري في إدارة الشؤون الداخلية لفرنسا والمغرب وفنلندا وتركيا وغيرها من الدول، وهو في بعض هذه الدول هيئة غير قضائية مهمتها حل الخلافات “ودياً بين المواطنين والإدارة، كما أنها تتولى مهمة مراقبة الخدمات التي تتولّاها الإدارة، والتحقّق من امتثالها للقوانين ومبدأ احترام حقوق الإنسان”.
مناسبة الحديث عن “وسيط الجمهورية” هي المؤتمر الذي نُظّم نهاية الأسبوع الماضي في جامعة القديس يوسف، تحت عنوان “وسيط الجمهورية حامي المواطن”، وقد شارك في تنظيمه كل من المركز المهني للوساطة في اليسوعية، ومركز الدراسات الحقوقية في الجامعة أيضاً، وبدعم من المنظمة الدولية الفرنكوفونية والسفارة الفرنسية، وبمشاركة من جمعية “الأمبودسمان المتوسطيّين”.
البحث في التاريخ السياسي والإداري العربي، يسمح للباحث بالتعرف إلى ترجمة لعبارة Omboudsman إنه قاضي القضاة، وكانت مهمته تقتضي التأكد من أن السلطان والحكام يطبّقون القانون والشريعة الإسلامية في إدارة الدولة، كما كان مؤتمناً على تأمين التواصل بين السلطة والمواطنين.
وإن كان “وسيط الجمهورية” كما نعرفه اليوم قد عُرف أو ولد في السويد عام 1809، مع أنّ هذه المؤسسة لم تعرف الانتشار والتطبيق الفعلي إلّا بعد الحرب العالمية الأولى، فإن بعض المؤرّخين يرون أنه أدّى دوراً مهماً في التواصل بين الإمبراطور وشعبه في الصين خلال حكم سلالة “تسين” في القرن الثالث قبل الميلاد.
الوسيط هيئة مستقلة، مهمّتها تسهيل العلاقات مع الإدارة
كلمات “الافتتاح” سبقت مداخلات المشاركين في الجلسة، فكانت كلمة ترحيبية لرئيس الجامعة رينيه شاموسي، وتحدثت جوانا هواري بو رجيلي، مديرة المركز المهني للوساطة عن المعهد، وتساءل الدكتور أنطوان خير، مدير مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي، إن كان عدم وجود “وسيط للجمهورية” في لبنان من الغرائب التي “أصبحت تتخطى الأعراف القانونية الأكثر رسوخاً”. ممثل السفارة الفرنسية ديده شافير رأى أن مؤسسة أو هيئة “وسيط الجمهورية” تمثّل مساحة للحوار بين الإدارة والمواطنين.
التجربة الفرنسية طُرحت من خلال مداخلة وسيط الجمهورية الفرنسية جان بول دولويه، وهو كان قد شغل مناصب عديدة، بعضها في السلك القضائي أو كوزير، ولكنه لم يشعر ويفهم عميقاً هموم المواطنين إلّا من خلال منصبه وسيطاً للجمهورية.
دور الوسيط يزداد أهمية في عصر العولمة، وزيادة المشاكل التي يعانيها المواطنون. “الأمبودسمان” يعرف كيف يطرح السؤال الصحيح على رجال السياسة، وقد لاحظ الوسيط الفرنسي تراجعاً في نسب الشكاوى والمشاكل التي يعانيها أبناء فرنسا وسكانها الأجانب.
الوسيط يُسمى في المغرب “والي المظالم”، يتولى هذا المنصب مولاي محمد عراقي، وقد كان من المشاركين في المؤتمر، وقال إنّ هذه المؤسسة استُحدثت عام 2001، ومهمتها الفصل في المنازعات المعروضة عليها، واقتراح تدابير لتحسين أداء الإدارة، وتنظر في شكاوى “من يعتقد أنه كان ضحية لتصرف صادر عن الإدارة”، ورأى أن لوالي المظالم ـــــ في بعض الاحيان ـــــ دوراً مساعداً للقضاء.
في ما يخص لبنان، صدر قانون عام 2005 الذي ينصّ على ضرورة إيجاد وسيط للجمهورية، لكنه لا يزال حبراً على ورق، ولم يجد ترجمة عملية له في الواقع الإداري اللبناني. عدم تطبيق القانون يدفع المرء إلى طرح التساؤل التالي: هل اختلف المعنيّون على “طائفة الوسيط”، أي لأية طائفة يُعطى هذا المنصب؟ والتساؤل مشروع في مراجعة لتاريخ صدور القرار، وقد عرضه النائب فؤاد السعد في مداخلته، فلفت إلى ورشة عمل نُظّمت في 26 تموز عام 2001، وقد شارك فيها قانونيون، منهم الوزير السابق بهيج طبارة وسمير ضاهر، وقد ذكّر السعد في كلمته بمبادرة رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، الذي أطلق في بداية عهده مكتب الشكاوى.
مشروع القانون اللبناني استند إلى مساهمات وسطاء أجانب من 19 دولة، وقد صدر في 4 شباط 2005 وحمل الرقم 644، وجاء فيه أن الوسيط “هيئة مستقلّة، مهمّتها تسهيل العلاقات مع الإدارة”، كما نص على أن الوسيط مستقل عن كل مؤسسات الحكم.
وقد نصت المادة الثامنة على ضرورة التعاون (أي تعاون الإدارة والعاملين فيها) مع الوسيط كهيئة، والوسطاء العاملين فيها.
أستاذ القانون، الدكتور حسن رفعت شدّد على أن نجاح مؤسسة الوساطة يرتكز على العوامل التالية: كفاءة الكادر البشري الذي يديرها، ودعم الرأي العام لها، تجاوب المؤسسات مع دور الوسيط، والإجراءات أو التدابير التي تُسند إليها.


إسرائيل مرة أخرى...

من اللافت خلال المداخلة التي ألقاها «والي المظالم» في المغرب مولاي محمد عراقي، أنه تحدث بحماسة عن التواصل الذي يمكن أن يؤمن من خلال «جمعية الامبودسمان المتوسطيين»، وتحدث عن اجتماع عُقد في الرباط، قائلاً «بالفعل، لقد حضره إسرائيليون وفلسطينيون و...». بالطبع، لم يمثل رأيه رأي منظّمي المؤتمر، ولكن من اللافت أن تصير أي مؤسسة متوسطية مناسبة لفرض تواصل مع الإسرائيليين. والأخطر في الأمر أن هذه المؤسسة ترتبط بحقوق المواطنين وهمومهم، فهي بذلك تهتم بالشكاوى والصعوبات التي يعانون منها، وتحترم القوانين المرعيّة الإجراء في كل دولة. لذا يبدو مستغرباً التحدث بخفة عن حضور إسرائيلي، وهو أمر مرفوض من المواطنين العرب، كما أن القانون اللبناني يؤكد أن إسرائيل عدوّة للبنان.


لقطة

حضرت المؤتمر شخصيات سياسية وقانونية، كان بينها وزير الداخلية المحامي زياد بارود ووزير العدل ابراهيم نجار، ووزيرا الدولة ابراهيم شمس الدين وخالد قباني، والوزير السابق بهيج طبارة، ووصلت متأخرة النائبة نايلة معوض. إذاً طُرح الكلام عن الأمبودسمان في حضور شخصيات فاعلة في السياسة اللبنانية. وقد كان بعض الحاضرين يتهامسون بأن هذا الاهتمام بالمؤتمر إشارة إيجابية قد تعني اهتماماً بالمطالبة مجدداً بتطبيق القانون وإقرار إطلاق عمل «هيئة وسيط الجمهورية»، واختيار من يرأسها. كذلك فإن قانونيين كان يحضرون المؤتمر أثنوا على ما تحدث به النائب السعد، ورأوا أن هذه الهيئة إذا انطلقت قد تسهم في حل بعض مشكلات اللبنانيين مع إدارتهم.