strong>إليوت أبرامزهل يمكن أن يزداد الوضع سوءاً بالنسبة إلى سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط؟ في الأيام العشرة الأخيرة، ناقضت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نفسها مرتين في العلن في موقفها من المستوطنات الإسرائيلية. رفض الفلسطينيون طلبها المباشر بالانضمام إلى محادثات السلام مع إسرائيل، وقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنّه لن يترشح لإعادة انتخابه رئيساً. العلاقات الأميركية الإسرائيلية تعاني جموداً وعدم ثقة. تطلق النيويورك تايمز والواشنطن بوست، وسواهما، على سياسة أوباما صفة الفشل الذريع، في المقالات كما في صفحات الرأي. ما ينقص فقط هو كارثة وصول الجراد.
السياسة هي بالفعل فشل كامل. في عشرة أشهر من عمر هذه الإدارة، استطاعت أن تهين وتحبط الإسرائيليين والفلسطينيين، كما فقدت مساندة الحكومات العربية، وأضعفت علاقات كانت ممتازة مع الحكومة الإسرائيلية إلى أن وصلت إلى مستوى لم نشهده منذ أيام جيمس بايكر. في هذا الوقت، تذكرنا رحلات جايمس ميتشل إلى المنطقة بزيارات كولن باول في 2002 و2003 التي لم ينتج منها سوى الحرج. تم نسيان الأهداف الأولى في حملة أوباما وهي تجميد الاستيطان 100% عند الإسرائيليين ومدّ اليد العربية لإسرائيل، وعودة مبكرة إلى مفاوضات سلام جدية بين الطرفين.
هذه الكوارث هي بشكل رئيسي نتيجة سلوك جاهل وعدائي تجاه إسرائيل، وخصوصاً رئيس وزرائها. الجهل كان واضحاً جداً في وجهة نظر الإدارة القائلة بأنّ الإيقاف والتجميد الكامل للبناء الاستيطاني يمكن فرضهما ليس فقط في كلّ المستوطنات، بل في القدس أيضاً. لكنّ سياسة الولايات المتحدة كانت أسوأ: طلبنا تجميداً ينطبق على البناء بواسطة اليهود فقط، وليس العرب. هل كنا نتوقع من أيّ مسؤول إسرائيلي مساندة هذا الموقف؟ ليس المرء مضطراً إلى أن يكون عضواً في الكنيست لكي يفهم أنّ تجميداً كهذا مستحيل بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو وتحالفه، كما سيكون كذلك بالنسبة إلى أيّ رئيس وزراء آخر. لكن يبدو أنّ هذه الحقيقة كانت أكبر من أن يفهمها ميتشل، راحم عمانوئيل، وكلّ «الخبراء» الآخرين في فريق أوباما. العداء تجاه نتنياهو كان واضحاً طيلة الوقت، لكنّه ظهر بوضوح في رفض إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي قرار رئيس الجمهورية بشأن مقابلته هذا الأسبوع حين يلقي نتنياهو (كما سيفعل الرئيس) خطاباً أمام الجمعية العمومية للجاليات اليهودية في واشنطن. أعطى الإسرائيليون البيت الأبيض إشعاراً قبل أسابيع بأن نتنياهو وافق على إلقاء الخطاب وأنّه سيكون في المدينة ويأمل برؤية أوباما. كان موقف البيت الأبيض إبقاء نتنياهو يتخبط حائراً أمام روايات جديدة قبل أيام من وصوله عن أنّ الرئيس لم يقرر بعد إن كان سيلتقيه [كتب هذا المقال قبل حدوث اللقاء الذي جمع بين نتنياهو وأوباما].
فكروا بالموضوع: إنّه حليفنا الأقرب في المنطقة، وثمّة مسائل خطيرة على المحك (من برنامج إيران النووي وضبط إسرائيل شحنة أسلحة إيرانية متوجهة إلى حزب الله، إلى إعلان عباس)، ولم يتلقَّ الإسرائيليون أي جواب. ربما يعتقد أوباما و«خبراؤه» أنّهم يذكّرون نتنياهو من هو الرئيس، لكنّهم في الحقيقة يذكّروننا كلنا لماذا لم يعد الإسرائيليون يثقون بأوباما ويجعلون التعاون الوثيق بين الحكومتين أكثر صعوبة.
المشاكل التي يعانيها نتنياهو مع أوباما لا تقارَن بتلك الخاصة بالفلسطينيين، وإعلان عباس يعكس خيبة أملهم. المثال الأفضل: أغرى أوباما وكلينتون عباس بمسألة تجميد الاستيطان ثم تخليا عنها. عندما قالوا إنّ تجميداً كاملاً، من ضمنه القدس، ضروري، وافق عباس وبسعادة طبعاً. لكن عندما تخلوا عن تلك السياسة المحكوم عليها بالفشل وبدأوا بالحديث عن «عائق»، لم يعد يستطيع النزول عن قمة الشجرة التي وضعوه عليها.
هدّد عباس بالرحيل مرات عدّة من قبل، ويجب التنويه بأنّه لم يستقل. قال إنّه لن يسعى وراء إعادة انتخابه العام المقبل، في انتخابات حددت في 24 كانون الثاني، لكن من المستبعد حصولها. إذاً سيكون موجوداً لشهور عدّة، وربّما إلى الأبد إذا استمر تأجيل الانتخابات. يجب أن ينظر إلى تصريحه لا بصفته رفضاً للرئاسة، بل احتجاجاً على السياسة الأميركية التي أضعفته. عندما زرت المنطقة في تشرين الأول الماضي، كان لدى الإسرائيليين والفلسطينيين سؤالان: مَن وراء سياسة الشرق الأوسط هذه، وهل لم ينتبه حتى الآن أنّها كارثة؟ في هذا الموضوع على الأقل، يمكن القول إنّ الإدارة أنتجت وحدة إسرائيلية ـــــ فلسطينية. هم توحّدوا أيضاً في مشاهدة الرئيس عاجزاً عن اتخاذ قرار بشأن أفغانستان. بالنسبة إلى الفلسطينيين، هذا يعني أنّه لن يواجه الإسرائيليين من أجلهم أبداً كما ظنوا أنّه سيفعل منذ كانون الثاني. بالنسبة إلى الإسرائيليين، هذا يعني أنّه لن يواجه إيران، وربما يضطرون في النهاية إلى مواجهة التهديد النووي الإيراني وحدهم.

استطاعت الإدارة أن تهين وتحبط الإسرائيليين والفلسطينيين، كما فقدت مساندة الحكومات العربية

يعتقد أوباما أنّ الحل جاهز ينتظر جلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات
يتساءلون كلهم عمّن يلومون، ميتشل أو كلينتون أو دينيس روس أو مستشار الأمن القومي جيم جونز أو مكتب الشرق الأدنى في وزارة الخارجية: وكلّ من الإسرائيليين والفلسطينيين لديه هدف مفضّل. لكنّ الإجابات عن أسئلتهم تبدو واضحة: إنّها سياسة الرئيس الذي يبدو أنّه لا يعي أنّها فشلت. وفيما تراجع عن الأهداف الأولى لحملته، لم يغير موقفه تجاه حكومة إسرائيل، ولم يعدل مقارباته الأساسية للدفع نحو استئناف المفاوضات حول «القضايا الجوهرية» بأقرب وقت ممكن.
ثمّة مشكلة رئيسية مع سياسة أوباما: كالكثير ممن سبقوه، يعتقد أنّ الحل موجود وجاهز وينتظر فقط إجبار الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فتحت الرعاية الأميركية، سيتوصلون إلى تسوية على الطريقة الأميركية (براغماتية، معقولة وواقعية) وينهون الخلاف، مع جوائز نوبل للسلام للجميع. السؤال الوحيد هو أين الطاولة: كامب دايفيد، طابا، أنابوليس، أوسلو، أو ربما هذه المرة شيكاغو.
هذه المقاربة تقوّض الأمل الوحيد في المنطقة، وهو التقدم العملي الذي حصل في الضفة الغربية. هناك، الاقتصاد يتحسن، القانون والنظام محافظ عليهما، السلطة الفلسطينية تحارب حماس، التعاون الأمني الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني يزداد، والقدرة على التحرك ترتفع لدى السكان. في الأشهر الأخيرة، أزالت إسرائيل المزيد من حواجز التفتيش وأطالت ساعات استخدام جسر أللنبي مع الأردن. ليس المكان الجنة، لكنّه ليس غزة أيضاً، والحياة تتحسن في كل سنة. يمكن أن تكون أفضل بكثير إن تخلّت إدارة أوباما عن جهودها المحكوم عليها بالفشل لفرض تجميد بناء المستوطنات في القدس ولتشجيع الاحتضان العربي لإسرائيل. فالأحرى أن تطلب الإدارة منهم جميعاً، التفكير في طرق واقعية لتحسين الحياة في الضفة الغربية. هناك العديد من الوسائل التي يمكن اعتمادها من أجل ذلك، من اتخاذ خطوات إضافية لإزالة حواجز التفتيش الإسرائيلية لحرية التنقل، إلى دعم مادي عربي سخيّ يمكن الاعتماد عليه.
التقدّم لا يحتاج إلى مؤتمرات دولية باذخة، ولا إلى تلك الفكرة التي لا تزال أحد خيارات أوباما، أي اقتراح خطة حل نهائي ستكون كارثية وفاشلة. الوسيلة التي سينال عبرها الفلسطينيون دولتهم هي الشروع ببنائها. عندما تصبح المؤسسات موجودة وتعمل بفعالية، من الشرطة إلى المحاكم إلى البرلمان، ستعكس المفاوضات هذه الحقيقة. فحجة ترسيم الحدود والتخلي عن وجود الجنود الإسرائيليين كخطوة أولى هي طريق نحو الفشل. إذ إنّ إسرائيل لن تقبل ولا يجب عليها أن تغادر قبل التأكد من أنّ الفلسطينيين يستطيعون حراسة الضفة الغربية، وأنّ المنطقة لن تكون مصدر إرهاب ضد إسرائيل كما أصبحت غزة وجنوب لبنان بعدما غادرتهما إسرائيل. لن يؤمّن مؤتمر أو اتفاقية هذه الضمانة، فقط قوة شرطة فلسطينية فعالة تحارب وتهزم الإرهاب تستطيع فعل ذلك.
مقاربة عملية كهذه ستأتي بمزيد من المنافع. ستعزز من موقع وسلطة الفلسطينيين المعتدلين الذين يعملون لتحسين نوعية الحياة في الضفة الغربية، عوضاً عن تعزيز موقع وسلطة مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية القدماء الذين يلمع نجمهم بسبب مفاوضات لا تنفع ولا تنتهي. ستشجع تعاوناً عملياً إسرائيلياً ـــــ فلسطينياً عوضاً عن وضع قضايا الوضع النهائي في الواجهة (مثل القدس أو اللاجئين الفلسطينيين)، وهي التي تفرقهم بمرارة. ستزيد من الفجوة بين الضفة الغربية وغزة لتبرهن للفلسطينيين أنّ حكم حماس لا ينتج سوى اليأس والفقر. ستجبر الدول العربية على مساعدة الفلسطينيين الحقيقيين في الضفة الغربية لا الفلسطينيين الخياليين، الذين هم جهاديون وقحون أو أرامل وأيتام يائسون، الذين يرونهم على قناة الجزيرة. في الحقيقة، عدا عن زيارات عرضية من أردنيين ومصريين (الذين وقّعوا اتفاقيات سلام مع إسرائيل) لا يعرف المسؤولون العرب الكبار ماذا يحصل في الضفة الغربية، لأنّهم لم يزوروها من قبل. لم يزرها رئيس دولة أو حكومة أو وزير خارجية ولا مرة. إذا كان جورج ميتشل يريد أن يقوم بشيء مفيد يمكنه أن ينظم جولة؛ فليأخذ بضعة أمراء ووزراء خارجية إلى رام الله أو الخليل أو جنين حيث سيجدون أنّهم ليسوا في الصومال، وحيث لن يقعوا على معركة قتالية بطولية ضد طغاة صهاينة.
حتى الآن، يبدو أنّ ذكرى انتخاب أوباما قد مرّت دون إعادة النظر بسياسته. بالعكس، فإنّ الإدارة تشق طريقها قدماً بصعوبة، وهي تحكم على نفسها عبر نواياها السامية لا عبر أدائها. تصريحات كلينتون، المطالبة بتجميد كامل للبناء في يوم، القبول بطلب نتنياهو المتواضع في اليوم التالي، ثم العودة إلى المطالبات الكبيرة بعد يومين في المغرب، تذكر كثيراً بالخطط الحربية الخاصة بالحرب العالمية الأولى: اكسب بضعة أمتار، اخسر المزيد، في الوقت الذي تتكدس فيه الخسائر. لن يكون هناك تقدم بهذه الطريقة، والجهود العملية التي يجب أن تكون في صلب سياسة الولايات المتحدة، ستقوَّض في الوقت الذي نسمّم فيه العلاقات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية ونحطّ من قدر الثقة التي يضعها الطرفان فينا.
(عن «ذا ويكلي ستاندرد»:
مجلة أسبوعية أميركية تتحدث باسم المحافظين الجدد وتعبّر عن آرائهم ـــــ ترجمة ديما شريف)