يشكو المواطن من تزايد سرقات السيارات بقوة السلاح، بينما تسعى وزارة الداخلية الى مكافحة هذه الظاهرة. غير أن جرم سرقة السيارات تحوّل الى مصدر رعب يقضّ مضاجع الناس يومياً، حيث تقف الدولة عاجزة عن القضاء على «دولة سرقة السيارات»

عفيف دياب
مشهد أول: ركن خليل م. سيارته «هوندا أكورد» موديل 1979 قرب متجره الصغير المعدّ لتصليح كهرباء السيارات في بلدة مكسة ـــــ قضاء زحلة. اعتاد المعلم خليل (51 عاماً) أن يبقي أبواب سيارته ونوافذها مشرعة، ولا سيما أنه يركنها في مكان قريب منه طوال ساعات العمل. انتصف النهار، فقرر المعلم الخمسيني أن يأخذ استراحة للاستمتاع بدفء الشمس التشرينية بعد أيام من الأمطار والبرد القارس. غافل اللصوص خليل خلال استراحته، وانطلقوا بسيارته الصغيرة الى مكان مجهول. حين سمع صوت محرك سيارته، لم يلتفت الى الخلف ليرى من بداخلها. فقد اعتقد أن أحد «العمال الذين يعملون في ورشتي أخذ السيارة كالعادة لإحضار غرض ما... لكنني اكتشفت بعد لحظات أن السيارة سرقت بخفة واحتراف».
مشهد ثان: اعتاد جميل (اسم مستعار) أن يتوجه صباح كل يوم الى شتورة في سيارته الجيب من نوع شيروكي (موديل 1991). ركن جميل السيارة قرب محله التجاري الواقع على جانب الطريق الدولية في المدينة، كما اعتاد أن يفعل منذ سنوات. قرابة الساعة السادسة و30 دقيقة مساءً، تلقى جميل اتصالاً هاتفياً من رقم وشخص مجهولين، أخبره المتصل أن «الشيروكي صارت بعهدته وعليه الحضور مع مبلغ 1500 دولار اميركي لاستعادة السيارة». اعتقد جميل للوهلة الأولى أن صديقاً يمازحه «قلت له مش وقت مزح هلق... عندي شغل مش فاضي». أقفل جميل هاتفه وتابع عمله الى أن تلقى اتصالا ثانياً، طلب منه المتصل أن يخرج الى خارج المحل ليستطلع ما «إذا كانت الشيروكي لم تزل مركونة قرب المحل». خرجت فوراً وتأكدت أن «السيارة سُرقت بالفعل».
توجه خليل م. الى مخفر قوى الأمن الداخلي في شتورة للإبلاغ عن سرقة سيارته. في المخفر، طلُب من خليل أن يذهب للبحث عن سيارته في المنطقة قبل التقدم بشكوى. وقد «فتشت عن السيارة في قب الياس ومكسة وشتورة وصولاً الى صغبين، وعدت الى المخفر وأبلغت العاملين فيه أنني لم أعثر على سيارتي، فأخذوا إفادتي ووعدوني بالاتصال بي فور العثور عليها». لم ينتظر المعلم خليل قوى الأمن الداخلي لتتصل به، وتعيد له سيارته التي اشتراها قبل 17 عاماً، بل نظّم جولة بحث ميدانية في البقاع الشمالي وجنوب لبنان، وصولاً الى طرابلس و«ما كنت لاقيها.. السيارة لها قيمة معنوية كبيرة عندي، وأصبحت جزءاً من حياتي اليومية، أنا متعلق بها الى درجة الجنون، ولا يكفي أنها سرقت بل يجب أن أتوجه الى دائرة الميكانيك للإبلاغ عن وقفها من السير. والله أعلم كم سأدفع من المال».
فشل خليل في العثور على سيارته، وفشل قوى الأمن الداخلي قبله ينطبق أيضاً على جميل الذي خاض مفاوضات عسيرة مع اللصوص عبر الهاتف و«طلبوا مني مبلغ 1500 دولار، ومن ثم خفضوا المبلغ الى ألف و200 دولار، وصولا الى مبلغ ألف دولار، شرط أن أتوجه الى منطقة البقاع الشمالي لإحضارها وتسليم المبلغ»، يضيف جميل «رفضت التوجه الى هناك، وطلبت منهم إحضار الشيروكي الى منطقة زحلة، لكنهم رفضوا ذلك فأوقفت المفاوضات». فور اكتشاف جميل لسرقة سيارته، تقدم بشكوى ضد مجهول أمام مخفر درك شتورة، و«هناك أخبرني أحد العناصر أن اللصوص حكماً سيتصلون بي ويفاوضونني على مبلغ من المال، وأخذ يعلمني أسلوب التفاوض معهم في حال اتصالهم بي».
يندر أن يمر يوم من دون تعرض سيارة للسرقة، ما يُشعر المرء بأن ثمة احترافاً متزايداً في سرقة السيارات على مختلف الأراضي اللبنانية، فقد تحولت الى مهنة تدرّ أموالاً على أشخاص وجدوا في سرقة السيارات تجارة رابحة ومصدراً مهماً لجني الأموال.
حازم (اسم مستعار)، لصّ أمضى فترة عقوبته في السجن بعد إلقاء القبض عليه، يقول: «أطلب من الله أن يسامحني»، مضيفاً أنه لم يكن يرغب في التحول إلى سرقة السيارات، «لكن الظروف أجبرتني على الدخول الى هذا العالم الغريب والعجيب». يروي حازم «لقد وجدت في سرقة السيارات مهنة غير شاقة لجني الأموال، لكنها كانت دائماً محفوفة بالمخاطر». يكشف أن سلب السيارات بقوة السلاح من خلال حواجز «عملية كانت تتم من خلال مجموعة تتقاسم الأدوار. المجموعة الأولى تختار السيارة ـــــ الهدف، والأفضل أن تكون من الدفع الرباعي لأنها قوية وسريعة، وهنا ألفت إلى أن المجموعة الأولى هي مجموعة المراقبة والاستطلاع، وحين تختار هذه المجموعة السيارة، تحلّق بها المجموعة الثانية التي تكون في مكان غير بعيد عن المجموعة الأولى وتقطع الطريق أمام سائق السيارة، فيما تتولى المجموعة الثالثة

حواجز القوى الأمنية لم تكن توقف موكب اللصوص لاعتقادها أن شخصية سياسية بداخله

محاصرة السائق بالتعاون مع أفراد المجموعة الأولى وإخراجه من الجيب ومصادرة هاتفه وأمواله بقوة السلاح، ومن ثم الانطلاق بسرعة قصوى عبر موكب موحد للمجموعات الثلاث التي تسلك طرقاً فرعية أو حتى رئيسية». يوضح رامي أن حواجز القوى الأمنية «لا توقف الموكب نهائياً لاعتقادها أن شخصية سياسية بداخله، وبالتالي يمكنني القول إن خداع الحواجز الأمنية بالموكب المسرع أمر بالغ السهولة، ولكن زملاء لنا وقعوا أكثر من مرة في قبضة القوى الأمنية على حواجز كانت متيقظة وحذرة». ويتابع «فور وصولنا الى المكان المحدد لوضع السيارة المسروقة، كنا نبادر فوراً الى الاتصال بصاحبها، ونفاوضه على المبلغ الذي يجب أن يبلغ على الأقل 20% من ثمن السيارة»، رامي يؤكد «يستجيب أصحاب السيارات لمطالبنا، ويمكنني القول إن التمنع صدر عن نسبة قليلة جداً ممن سرقنا سياراتهم».
أسوأ ما في الأمر هو ما ينقله رامي عن أصحاب سيارات مسروقة «غالبيتهم كانوا يقرّون بأنهم لا يثقون كثيراً بالقوى الأمنية لكي تحضر سيارته أو تعثر عليها، وبالتالي يجد هؤلاء في دفع مبلغ من المال أمراً سهلاً وسريعاً لاستعادة السيارات». لا يخفي اللص السابق فشل المفاوضات في أحيان كثيرة مع صاحب السيارة، ويقول: «فشلنا أحياناً في المفاوضات، لكن الفشل لا يعني الخسارة. فقد كنا نبيع السيارة المسروقة الى أناس آخرين، وهؤلاء يهرّبونها الى سوريا أو العراق بعد تزوير أوراقها ومستنداتها القانونية، وكانت هذه السيارات تعبر بطريقة قانونية الى سوريا أو عبر مسالك جبلية وعرة، إذا كانت ستتجه الى العراق مباشرة، وإذا لم نوفق في كل هذا كنا نبيع السيارة كقطع غيار الى محال كسر السيارات بعد أن نستخدمها في أعمال سلب سيارات أخرى».
يختم اللص التائب بالقول: «القوى الأمنية تعرف طرق سرقة السيارات وأساليبها، وهي للأسف تخاف من اللصوص، واللصوص يخافون منها، والمواطن يعيش في قلق كبير. أعترف بأنني لم أكن يوماً مطمئن البال وأنا أقوم بعمليات السرقة، كنت دوماً في حال قلق، والآن أعلنها صراحة أنني لن أعود الى هذه المهنة مهما كانت الظروف المعيشية قاسية وصعبة».


زحلة: إضراب وتحذير

دعا فاعليات زحلة جميع أبناء المدينة الى المشاركة في «الإضراب والتجمع» والإقفال التام ما بين الساعة التاسعة والحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل، وإلى التجمع أمام سرايا زحلة الحكومية عند الساعة العاشرة صباحاً، للإعراب عن الإدانة العارمة ضد ما يتعرض له أبناء المدينة من «عصابات الأشرار التي تمتهن السلب والخطف المسلح وسرقة السيارات وغيرها من الجرائم». وقد شدد بيان الفاعليات، التي أجرت اتصالات متنوعة، على رفض الأعمال التي «تستهدف المدينة من خارجها وإعلان استنكارها لما يحصل من تهديد للأمن الشخصي والاجتماعي لزحلة واستقرارها واستهداف حقوق أبنائها وأرواحهم وأرزاقهم وكراماتهم». وأكد بيان الفاعليات استنكاره «لأعمال اللصوصية المتفشية، ودعم السلطات الأمنية المسؤولة للتشدد في قمع هذه الجرائم وملاحقة الفاعلين وسوقهم إلى العدالة وإنزال أشد العقوبات بحقهم لردع كل من تسوّل له نفسه الإقدام على مثل هذه الجرائم الشائنة، وكي لا يقوم الزحليون بأخذ حقهم بأيديهم، مع ما يعنيه ذلك من العودة إلى الأمن الذاتي بكل أضراره على المجتمع».