سبق المنظمات الشبابية لقوى ثورة الأرز بعض زعمائها إلى إعلان انتهاء مهماتها أو إنجازها القسم الأكبر منها، في أحسن تقدير. في مؤتمر خصّص لـ«ربيع بيروت، ودور الشباب في التغيير الديموقراطي» عُقد في بيروت، كان واضحاً أن عمر هذا الربيع لم يطل، وأن ما بقي منه على مستوى منظماته الشبابية لا يتجاوز بعض الصداقات الشخصية
محمد محسن
ورقة نعي تسرد في بداية سطورها محاسن الفقيد، نقد وصل إلى حدود جلد الذات، بكاء على أطلال زمنٍ جميل. تصلح أي من هذه العبارات لوصف المؤتمر الذي ضمّ المنظمات الشبابية التي شاركت في صياغة «ربيع بيروت 2005» وهي على نحو أساسي، منظمات قوى 14 آذار. في فندق «كومودور» بالحمرا، شارك ممثلو هذه المنظمات، وبعض الأكاديميين والأفراد المهتمين بالشأن السياسي في مؤتمر «الشباب والتغيير الديموقراطي ـــــ حركة ربيع بيروت 2005» الذي نظمته جمعية «مبادرات للإنماء» بتمويل من «مركز البحوث للتنمية الدولية ـــــ كندا». استمر المؤتمر يومي الجمعة والسبت الماضيين، وتخلله عرض لنتائج الدراسة البحثية عن «ربيع بيروت 2005». لكن أكثر ما برز في الدراسة هو مداخلات المشاركين التي عرضت النتائج الإيجابية التي صنعها تحركهم، لكنها تطرّقت في الوقت ذاته لانهيار هذا الربيع إما أثناء ولادته وإما بعدها بمدة زمنية قصيرة. هكذا، في الجلسة الأولى التي تحدث فيها مندوبو الأحزاب التي شاركت مشاركة مؤثرة بفعاليات «ربيع بيروت»، بدا واضحاً أنهم ينعون هذا الربيع، وأنه هو وتظاهرة 14 آذار التي أسست لهذا المشروع، قد أصبحا من الماضي، وأن الحديث عنهما ليس من باب الاعتبار لتجديد الحدث بل للذكرى فقط. سرد المتكلمون وقائع كثيرة، تحمل تناقضاتٍ مثيرة، عزوا إليها فشل هذا التحرك، على الرغم من أهميته بالنسبة إليهم. ففيما عرض ممثل تيار المستقبل نادر النقيب إنجازات التحرك من سحب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، وصولاً إلى إقرار المحكمة الدولية، شدّد على أن «الثورة توقفت حينها ولم تكتمل لأننا لم نخرج الرئيس إميل لحود من قصر بعبدا». أمّا ممثل منظمة الشباب التقدمي خضر الغضبان فتندّر على «تراجع طموحاتنا لدرجة أن تقتصر في النهاية على تأليف الحكومة»، وفيما أكّد «عدم وجود نصف ثورة أو نصف انقلاب في مفاهيم الثورات»، رأى أن «ثورة الأرز كانت نصف ثورة ونصف تغيير». أما ممثل التيار الوطني الحر، غسان عطا الله، فقد أكّد أنّه «في بداية التحرك، كان الشباب هم من يأخذون القرار ويتبعهم السياسيون، لكن الآية انقلبت بعد فترة قصيرة».
في الجلسة الثانية، كان فادي الشاماتي، ممثل حركة «لبنان الكيان»، أكثر وضوحاً في تظهير السلبيات التي حدثت في مخيم الاعتصام في ساحة الشهداء في عام 2005، إذ أشار إلى أن من صاحب القرار السياسي «لم يساعد في كسر الحواجز» قبل أن يروي كيف كانت مشاهد السياسيين وهم يتزاحمون ليتوسطوا المسرح أمام الكاميرات تؤلمه. فبالنسبة إليه، وهو الذي شارك في الاعتصام حتى لحظاته الأخيرة، انتفاضة الاستقلال «ليست ثورةً أصلاً». من جانبه، قدّم مسؤول مصلحة الطلاب في القوات اللبنانية في 2005 دانيال سبيرو مداخلةً عكست حجم الانقسام الحاصل بين قوى «ربيع بيروت 2005». هكذا، قال سبيرو بوضوح: «نجح الآخرون في تفريق قوى 14 آذار وتخفيف زخم تظاهرة 14 آذار، لدرجة أن تحالفنا لم يصمد حتى انتخابات 2005». بعد مداخلات القوى الأخرى المشاركة في «ربيع بيروت 2005» كاليسار الديموقراطي والهومنمن، التي تشابهت في الجوهر مع ما سبقها من مداخلات، اختتم اليوم الأول. في اليوم الثاني، عرض الحاضرون الذين غاب عنهم بعض متحدّثي اليوم الأول، دراسةً ضبابية النتائج على الرغم من عدّها «ربيع بيروت 2005» حدثاً استثنائياً في مسيرة التغيير الديموقراطي.


ولشباب 8 آذار خيباتهم أيضاً

يدرك من يعيش في أجواء المنظمات الشبابية لقوى الثامن من آذار، أنها ليست أفضل حالاً من منظمات ثورة الأرز. فقد تلقّت خيباتٍ كثيرة بدورها، منها فشل الاعتصام، الذي استمر أكثر من عام، في إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي مثّل وصوله إلى رئاسة الحكومة بعد اتفاق الدوحة خيبة أخرى لشبان المعارضة. كذلك، كانت خسارة المعارضة للانتخابات النيابية الأخيرة الضربة المعنوية الأكبر التي عانوها. في عرف الشبّان من الطرفين، ما حصل هو خيبات انتهت بتسويات لا يقبلها العقل الشبابي المتحمس دائماً. أما بعرف الزعماء، فهي تسويات مطلوبة لتسيير دورة الحياة السياسية في لبنان بانتظام. الفرق ما زال شاسعاً بين الشباب وزعمائهم السياسيين.