دافوس بيئي عربي» هكذا يحلو لنجيب صعب، الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، أن يصف المؤتمر العربي عن تغير المناخ الذي يفتتح اليوم في بيروت. ورغم الانتقادات التي يتعرض لها الرجل لقبوله بإشراك الشركات الملوثة للبيئة في صميم الأنشطة البيئية، إلا أنه يعتبر أن فعلته هي «توريط إيجابي لمن يرسمون تفاصيل حياتنا»
بسام القنطار
تشهد بيروت اليوم، افتتاح المؤتمر العربي الأضخم عن قضية تغير المناخ، التي تحتل هذه الأسابيع المرتبة الأولى في الاهتمام الدولي، مع اقتراب العد العكسي لقمة المناخ التي ستعقد في كوبنهاغن في الدنمارك في 8 كانون الأول المقبل. ويشهد المؤتمر، إطلاق التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» 2009 بعنوان «أثر تغير المناخ على البلدان العربية». ويظهر التقرير، الذي استحصلت «الاخبار» على نسخة منه، والذي كتبه باحثون مشهود لهم بسمعتهم الأكاديمية، أنه رغم المساهمة الضئيلة «للإقليم» العربي في تغير المناخ، من خلال انبعاثات غازات الدفيئة (5 في المئة من الرقم العالمي)، فإن تعرض الدول العربية لتأثيرات تغير المناخ يجعلها صاحبة مصلحة خاصة في الدفع بقوة لإقرار اتفاقية دولية قوية، تشمل مجموعة من التدابير الصارمة لتخفيف تغير المناخ والتكيف معه، والأهم من ذلك ضمان مساعدات مالية وتقنية لتغطية كلفة ذلك.
وقبل أن نتحدث عن العالم العربي، فإن التقرير «يبشر» لبنان بدمار القطاع السياحي في ظل التغييرات التي ستصيب المنطقة. هكذا، يتوقع التقرير للبنان، ومناطق سياحية أخرى في العالم العربي، أن يصبح وجهة هامشية للسياحة أو غير مؤاتية بحلول سنة 2080، بسبب ارتفاع الحرارة وشح المياه. ودعا التقرير لبنان إلى استكشاف خيارات لسياحة بديلة تكون أقل تعرضاً للتغير المناخي، مع التركيز على تطوير السياحة الداخلية البعيدة عن الشاطئ الرملي، الذي يعاني من الضيق أصلاً بسبب التعديات والضغط العمراني، ويتوقع له أن يتآكل بارتفاع مستوى البحار. كما توقع التقرير تدهور حال غابات الأرز في لبنان إلى حد كبير، بسبب ارتفاع الحرارة، ما يهدد بقاء هذه الشجرة الفريدة التي تمثّل الرمز الوطني، مع توقع انقراض 40 في المئة من جميع الأنواع في العالم العربي، ما يفاقم الخلل في التنوع البيولوجي.
وفيما اتفق الزعماء الأفارقة أول من أمس، على الأموال المطلوبة من الدول الغنية للتعويض عن أثر تغير المناخ على قارتهم، إلا أنهم احتفظوا، تكتيكياً على ما يبدو، بالرقم سراً قبيل محادثات كوبنهاغن. يصل أمراء العرب ووزراؤهم إلى بيروت على ما يبدو، بدون رؤية واضحة عما هو مطلوب منهم، وما سيطالبون به لحماية شعوبهم من أثر تغير المناخ، أو على الأقل هذا ما يوحي به التقرير عبر مطالبته لهم بأرقام وخطة واضحة.
ويخلص تقرير «أفد» إلى «أنه لا يجري تنفيذ برامج شاملة لجعل البلدان العربية مهيأة لمواجهة تحديات تغير المناخ، وتحديداً عدم القيام بأي جهد لجمع البيانات وإجراء البحوث على تأثير تغير المناخ على الصحة والبنى التحتية والتنوع البيولوجي والسياحة والمياه وإنتاج الغذاء. كما كشف التقرير أن التأثير الاقتصادي لتغير المناخ يُتجاهل تماماً في العالم العربي، مع غياب سجلات موثوقة للأنماط المناخية في المنطقة». ويكشف التقرير أن الوضع الحرج أصلاً لشح المياه في العالم العربي سيصل إلى مستويات خطيرة بحلول عام 2025، وأن ما يعرف بالهلال الخصيب الممتد من العراق إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين سيفقد جميع سمات الخصوبة وقد يتلاشى قبل نهاية هذا القرن. وسأل التقرير «إذا كانت الحال هكذا في الهلال الخصيب فكيف سيكون الوضع في البلدان العربية القاحلة؟»، مطالباً بخطة عاجلة لإدارة المياه وحسن الكفاءة في الري وتطوير موارد مائية جديدة، بما في ذلك تكنولوجيات مبتكرة لتحلية المياه المالحة.
ولقد أظهرت دراسة أجراها لمصلحة «أفد» مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن، أن ارتفاعاً في مستويات البحار مقداره متر واحد فقط، سيقضي على السياحة والزراعة في 41500 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية العربية، وستتعرض قطر للتأثير الأكبر حيث إنها ستفقد الكثير من مساحتها البرية، فيما ستكون مصر الضحية الأبرز للتأثيرات الاقتصادية، حيث تتعرض 12 في المئة من أراضيها الزراعية للخطر.

«يبشر» التقرير لبنان بدمار القطاع السياحي في ظل التغييرات التي ستصيب المنطقة
ويلفت التقرير إلى أن الملاريا التي تصيب أصلاً 3 ملايين شخص سنوياً في المنطقة العربية، ستصبح أكثر انتشاراً وتدخل إلى بلدان جديدة. كما أن شدة العواصف الرملية وتكرارها، سيزيدان ردود الفعل المثيرة للحساسية والأمراض الرئوية عند السكان. وانتقد التقرير بشدة الجزر الاصطناعية التي تبنى في بعض البلدان العربية والتي يُخطّط لبنائها، وتوقع أن يبتلعها البحر، داعياً إلى الاتعاظ من جزر المالديف التي بدأت البحث عن تأمينات مالية لترحيل سكانها إلى بلدان أخرى!
وفيما يشدد التقرير على مسؤولية «مشتركة ولكن متفاوتة» حسب المسؤوليات، تواجه إدارة الرئيس باراك أوباما ضغطاً لدفعها للتعهد بخفوضات كبيرة في انبعاثاتها بحلول عام 2020. والولايات المتحدة هي ثاني أكبر دولة في حجم انبعاثات الغازات بعد الصين، لكن تشريعاً يهدف لتقليص انبعاثات الكربون بنسبة 17 في المئة، ما زال متعثراً في مجلس الشيوخ الأميركي، ولا يتوقع أن يقر قبل ربيع عام 2010.
وفي دلالة على اهتمام الدنمارك بهذا المؤتمر، وصل إلى بيروت مساء أمس، المبعوث الخاص الدنماركي لتغير المناخ ميلز بولتز، الذي سيتحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إلى جانب رئيس مجلس أمناء «أفد» مصطفى كمال طلبه، والأمين العام لمجلس البيئة في أبو ظبي محمد البواردي، ووزير البيئة محمد رحال ممثلاً راعي المؤتمر الرئيس ميشال سليمان. ولقد تقدمت الدنمارك نهاية الأسبوع الماضي بتسوية تقضي بإقرار اتفاق ملزم سياسياً في كوبنهاغن يسمح بالاتفاق على معاهدة ملزمة قانونياً العام المقبل. ولقد سارع أوباما إلى الترحيب بالاقتراح الدنماركي، متعهداً بأن يكون للاتفاق السياسي «تأثير فوري لدى التطبيق». ووصف محللون تصريح أوباما بأنه «حرص على الخروج من قمة المناخ بأكثر من مجرد ورقة، لكن تعثر القانون يعيقه».