آدم سرفرفي اليوم الثاني لاستلامه منصبه، أمر الرئيس باراك أوباما بإغلاق معتقل غوانتنامو بحلول كانون الثاني 2010. ومنذ ذلك الحين، بذلت الإدارة جهداً لاحترام المهلة التي حددتها لنفسها، وقد منعها الكونغرس من الإفراج عن المتّهمين الذين أُعلِنت براءتهم في الولايات المتحدة، فيما سمح أخيراً بإحضار المعتقلين لمحاكمتهم على الأراضي الأميركية. لكنّ بعض مسؤولي الإدارة اعترفوا علناً بأنّه من غير المحتمل إغلاق سجن غوانتنامو في كانون الثاني. ورغم تخوّف الكونغرس من إغلاق المعتقل، ظهر توافق بين مسؤولين عسكريين وناشطين في مجال حقوق الإنسان بشأن الضرر الذي يلحقه السجن بصورتنا في الخارج، وخصوصاً بعدما تحوّل المعتقل إلى رمز لانتهاكات حقوق الإنسان والافتقار إلى الواجبات القانونية اللازمة. وقد أجمع كلّ من رئيس الجمهورية السابق جورج دبليو بوش، والجنرال دايفيد بترايوس والسيناتور جون ماكين على ضرورة إغلاقه.
مع رفض الكونغرس السماح للمعتقلين الذين بُرّئوا بالعيش في الولايات المتحدة، أصبح البيت الأبيض يملك خيارات قليلة، وخصوصاً مع محاربة الجمهوريين من أمثال بيتر هكسترا لأي جهد يبذل في سبيل إنشاء سجن على الأراضي الأميركية لاحتواء هؤلاء الذين لا تريد الإدارة ترحيلهم أو الإفراج عنهم. دول أخرى تتردد في نقل بعض المحتجزين إليها عندما تجد الولايات المتحدة نفسها غير مستعدة لاستيعاب أي منهم.
مع اقتراب مهلة كانون الثاني، يبرز صدع في اليسار بشأن كيفية تسهيل إغلاق سجن غوانتنامو. الثلاثاء الماضي، أصدر مركز التقدم الأميركي، وهو منظمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإدارة الأميركية، تقريراً يوصي الإدارة بإرسال المحتجزين في غوانتنامو، الذين اعتقلوا في أفغانستان وخسروا التماساتهم، إلى سجن قاعدة باغرام في أفغانستان، ممّا يساعد الإدارة على إفراغ غوانتنامو عاجلاً لا آجلاً. يوصي التقرير بتحديد تموز 2010 مهلة جديدة لإغلاق المرفق.
«الاحتجاز العسكري الشرعي مناسب في ظروف معينة»، يقول كاتب التقرير كين غود. «هناك عدد قليل من الأشخاص ممّن سيعودون إلى القتال... أنا أتحدّث عن المقاتلين الأعداء الذين اعتقلوا في منطقة قتال فعلي أو فيما كانوا يهربون من المعركة».
قوبل التقرير بانتقادات من بعض مناصري حقوق الإنسان، وتحديداً من محامين دافعوا عن بعض المسجونين في غوانتنامو. يعتبر المعارضون أنّه سيكون من الأصعب على المحامين متابعة الاستئنافات، وأعربوا عن قلقهم من تعرض موكليهم للانتهاكات وسوء المعاملة من دون القدرة على اللجوء إلى القانون. الخلافات حول التقرير تلقي الضوء على الضغوط الممارسة على اليسار بشأن استخدام التوقيف الوقائي. وفيما هناك سابقة توقيف وقائي في سياق عسكري، يقول المعارضون إنّ نقل معتقلي غوانتنامو إلى باغرام سيفاقم المسؤوليات الاستراتيجية التي سببتها سياسات الاعتقال الأميركية.
المعتقلون الذي خسروا التماساتهم سيتمكنون من استئناف القرار، ويدّعي غود أنّ انتقالهم إلى باغرام لن يسلبهم حقّهم في الطعن في توقيفهم. في ظل قوانين التوقيف العسكري، يمكن اعتقال الجنود الأعداء طيلة مدّة القتال، ويردّ المنتقدون أنّ الحرب ضد الإرهاب لا نهاية لها، ممّا يسمح للولايات المتحدة باحتجاز المعتقلين إلى الأبد. حكم القاضي جون بايتس في نيسان الماضي، أنّ بعض المعتقلين في باغرام، وهم غرباء اعتقلوا في دولة ثالثة وسلموا إلى أفغانستان، لديهم الحق في تقديم التماسات لكنّ الإدارة تعارض الحكم.
ربح محامون عن معتقلين في غوانتنامو 30 من الالتماسات الـ38 التي وجدت طريقها إلى المحاكم حتى اليوم، لكنّ عدداً قليلاً منهم أفرج عنه لصعوبات في إيجاد أماكن لنقلهم إليها. يقدّر غود أنّ أغلبية المعتقلين الـ230 الباقين في غوانتنامو اعتقلوا في أفغانستان، على الحدود الأفغانية ــــ الباكستانية، أو عبر الحدود في باكستان، وأنّ عدداً قليلاً منهم هم في الحقيقة مقاتلون أعداء. ويقول غود إنّه عندما تفرغ الإدارة من تصنيف من ستحاكمه المحاكم الفدرالية أو اللجان العسكرية، أو من سيفرج عنه عبر التماسات، سيكون عدد من سينقلون إلى باغرام قليلاً.
يقول المنتقدون إنّ هذا الرقم الصغير هو كبير أصلاً. «إذا كانت الفكرة هي الفوز بقلوب الأفغان وعقولهم، فإنّ استمرار العمليات في باغرام سيقلل من جهودنا»، يقول جندي المارينز السابق إيريك مونتالفو الذي رافع عن معتقل غوانتنامو السابق الأفغاني محمد جواد حين حاكمته اللجان العسكرية. «باغرام تماثل أبو غريب حالياً».
تتمتع باغرام بلا شك بسمعة سيئة. في 2002، سمح وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد للجيش باستخدام ما يسمى تقنيات تحقيق «قاسية». توصل تقرير صادر عن «هيومن رايتس واتش» في 2004 إلى أنّ عدداً من معتقلي باغرام كانوا ضحايا صائدي جوائز يسعون وراء المكافآت المالية التي قدمتها الولايات المتحدة. يزعم معتقلون سابقون في باغرام أنّهم تعرضوا لانتهاكات، منها الحرمان من النوم، عري قسري، وضعيات متعبة، وضرب. اعتبر أطباء الجيش الأميركي أنّ موت أفغانيّين في باغرام، ديلاوار والملا حبيب الله، هو جريمة قتل. في 2005، وقع بوش قانون معاملة المعتقلين الذي يحصر التحقيقات العسكرية بالتقنيات غير المسيئة الموجودة في دليل الجيش الميداني، لكنّ مجموعات تعنى بحقوق الإنسان ومحامين يمثّلون معتقلين في باغرام لم يمنحوا إذناً بدخول المرفق.
أصدرت منظمة «حقوق الإنسان أولاً» تقريراً عن باغرام الأسبوع الماضي أشادت فيه بالتغيرات التي أحدثتها إدارة أوباما على مجلس مراجعة الموقوفين الذي يقرر توقيف المعتقل. كما أثنت على توصيات الجنرال ستانلي ماكريستال بنقل المزيد من المسؤوليات إلى الحكومة الأفغانية. لكنّ التقرير رأى أنّ الإدارة لم تؤمّن الإجراءات القانونية الضرورية للموقوفين، ونصح بالسماح لمجموعات حقوق الإنسان بالدخول إلى المرفق نفسه. ذكر التقرير ملاحظة للجنرال ماكريستال عن تحوّل محتمل لعمليات الموقوفين في أفغانستان إلى مسؤوليات استراتيجية إذا لم يُتعاطَ معها جيداً.
«نحن نعتقد أنّه يجب اتهام الموقوفين أو الإفراج عنهم»، تقول خبيرة محاربة الإرهاب في «هيومن رايتس واتش» ستايسي ساليفان. «غيتمو من حيث الجغرافيا ليس المشكلة. ما يُفعل هناك هو المشكلة. نقل الموقوفين إلى باغرام لن يحل المشكلة».
لكنّ غود يقول إنّ نقل أولئك الموقوفين إلى باغرام هو جزئياً لتسهيل بعض هذه التغيرات. «سيزيد من حساسية الإدارة والجيش، ما سيجعلهم يتخطون ما هو متعارف عليه في معاملة الموقوفين في مناطق القتال، وسيتأكدون من أنّ نظام التوقيف في باغرام فعال وشرعي إلى أقصى حدود»، يقول غود.
اعتبرت خبيرة الأمن القومي في جامعة برينستون ديبورا بيرلستين أنّ التقرير يُعدّ «مساهمة مفيدة»، وقالت إنّ «السؤال المصيري» هو «هل يمكن ربط نقل الموقوفين بإصلاح ذي معنى لعمليات التوقيف في أفغانستان».

توصية بإرسال المحتجزين في غوانتنامو إلى سجن قاعدة باغرام في أفغانستان، ممّا يساعد الإدارة على إفراغ غوانتنامو عاجلاً لا آجلاً
يقول المحامي في «رابطة الحريات المدنية الأميركية» جوناثان هافتز الذي مثل بعض الموقوفين المتهمين بالإرهاب، إنّ مأزق موقوفي غوانتنامو فريد من نوعه بسبب الظروف التي يحتجزون فيها. «بعد حوالى ثماني سنوات من الاحتجاز في نظام توقيف بدون قوانين، يجب أن يتهموا في محكمة فدرالية (وهي نظام عمره 200 سنة فيه قواعد حقيقية، ضمانات حقيقية ومصداقية حقيقية) أو يفرج عنهم ويُعادون إلى بلدانهم»، يقول هافتز. يضيف «إذا لم يكن الموقوف قادراً على العودة إلى بلده الأم بسبب الخوف من التعذيب، يجب أن يرحل إلى بلد آخر حيث يكون في أمان، مع احتمال إطلاق سراحه في الولايات المتحدة».
يقول غود إنّه كان متعاطفاً مع فكرة حرية الموكّلين في تقديم الالتماسات، لكنّ القضية الأساسية هي أنّ عدداً من محامي الموقوفين يعارضون في المبدأ استخدام التوقيف العسكري للمشتبه في كونهم إرهابيين. «المشكلة الأكبر هي على الأرجح استمرار نوع من التوقيف العسكري يرفضه عدد من المحامين»، يقول غود. ويضيف أنّه في موضوع حرية تقديم الالتماسات «يتطلب تحضير التماس حرية وصول مباشرة أقل من العمل على القضية الأصلية».
ليس كلّ المحامين الذين يمثلون حالياً موقوفي غوانتنامو يعارضون فكرة نقل عدد قليل منهم إلى باغرام. يقول المحامي دايفيد سينامون الذي يمثل أربعة كويتيين موقوفين حالياً في غيتمو، إنّ نقل المعتقلين المحاربين الذين كانوا محظوظين في الطعن بتوقيفهم «اقتراح منطقي ومقيّد».
لكنّ مونتالفو يرى أنّ باغرام قضية خاسرة. «باغرام سيئة بالنسبة لنا»، يقول. «إذا كان لا بد من إغلاق مكان ما، فالأَوْلى البدء بباغرام قبل غوانتنامو».


(عن «ذا أميركان بروسبكت»: مجلة شهرية ليبرالية، أنشئت لمناهضة الفكر المحافظ ـــــ ترجمة ديما شريف)