وليم فاف هناك طريقتان اختُبرتا، ولم يوافَق عليهما، للتعامل مع العصيان في الدول غير الغربية. الطريقة الثالثة والفعالة هي عدم الذهاب إلى هناك في المقام الأول. أمّا الطريقة الرابعة، فهي الخروج مع أكبر قدر من حفظ ماء الوجه، وبأسرع وقت ممكن. قد يكون الرئيس باراك أوباما من أنصار الخيار الأخير في ما يتعلق بأفغانستان، لكنّه خيار ليس على القائمة حتّى اليوم.
الطريقة الأولى هي مقاربة التمرّد كتحدٍّ عسكري تقليدي. يجب الهجوم بأعداد كبيرة لتدمير الانتفاضة وبنيتها التحتية، واستخدام تكتيك الصدم والرعب، والبحث عن مصادر تمويل المتمردين وتدميرها، حتى عندما يعني ذلك اجتياح دول مجاورة. يجب إجبار العدو على الانتفاض والمحاربة كما يحارب الأميركيون. كما يجب الاعتماد على الأعداد الكبيرة، والتفوق اللوجستي الساحق، والأفضلية التكنولوجية الأميركية. كانت هذه استراتيجية الجنرال وليم وستمورلاند في بداية حرب فيتنام. تفوّقْ على العدو في القتل. اجعل عدد القتلى مقياس النجاح. مع حلول عام 1969، كان البرنامج قد فشل وأعفي وستمورلاند من مهماته.
في العراق، في 2003، دخلت الولايات المتحدة، مجدداً، مع قوى عسكرية مسلحة تسلحاً متطوراً وكبيراً، محوّلة كل ما يعترض طريقها إلى أشلاء. كان الطريق إلى بغداد ناجحاً. لكنّ العدو لم يكن مهتماً بالقتال. كان قد تم شراء عدد من الجنرالات العراقيين الكبار، ولم يكن الجندي العادي متحمّساً للقتال من أجل صدام حسين، وكذلك الضباط.
كان الجيش العراقي يتوقع أن يسيطر عليه الفاتحون ويُطلب منه تنظيف البلاد وإعادة النظام إليها. لكنّ ما حصل هو أنّه طُلب من الجنود العودة إلى منازلهم، وقيل لهم إنّهم بعثيّون غير جديرين بالثقة، قوميون، اشتراكيون وعروبيون. ذهب هؤلاء إلى بيوتهم ووجدوا أشياء أخرى يفعلونها مثل المشاركة في التمرّد لدفع المحتلين إلى الخارج، وقد نجحوا في ذلك.
بدأ الأميركيون بالرحيل عن العراق، دون أن يربحوا شيئاً سوى تحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى، وخلق جو عدائي لشركات النفط الأميركية التي كانت ترغب بالحصول على عقود تطوير حقول نفطية، وفشلت في ذلك.

يرى الجنرال ماكريستال أنّ حرب أفغانستان إن خيضت بشروطه تتطلّب ما بين 10 و50 سنة للنجاح
لا يزال العراق دولة غير مستقرة، تنتظرها انتخابات وطنية بداية العام المقبل. من المفترض أن يغادر الجنود الأميركيون البلاد خلال عامين، لكن الشكوك تحوم حول هذا الموضوع. تبحث الشركات الشرق أوسطية، التركية، الأوروبية، الروسية، ومن الشرق الأدنى، عن مشاريع تجارية هناك (وزارة الخارجية الأميركية تنصح رجال الأعمال الأميركيين بعدم السفر إلى العراق، إنّه خطر جداً).
النظرية الاستراتيجية الثانية لهزيمة التمرد هي «نظِّف وحصِّن». هذه النظرية مشهورة اليوم في واشنطن بفضل تأييدها من جانب الجنرال دايفيد بيترايوس في القيادة الوسطى وستانلي مكريستال في أفعانستان، إلى جانب كتابين صدرا أخيراً يتناولانها. الأول كتبه لويس سورلي والثاني دايفيد كيلكولن، وهما يعتبران أنّ حرب فيتنام رُبِحت بواسطة هذه الاستراتيجية، لكنّ الوقت كان قد فات على الصحافة الأميركية المتقلّبة، وعلى الرأي العام والكونغرس، كي يعترفوا بالنصر.
«نظف وحصن» تعني طرد الميليشيات من منطقة ما، ثم حمايتها من عودتهم. بدأ استخدام هذا التكتيك في مالايا (مجموعة ولايات في ماليزيا اليوم) بعد الحرب في 1948 عندما سبّب تمرّد قسم من الأقلية الصينية أسر أغلبية المالاوين في قرى محروسة، مع ترك القوات البريطانية للتعامل بحرية مع الصينيين الذين لم يتعرضوا لهذا الإجراء. في النهاية، جرى التوصل إلى حلّ سياسي.
في فيتنام حيث نسخت الولايات المتحدة هذه الطريقة، سمِّيت المناطق قرى استراتيجية، بالتزامن مع اعتماد برنامج الفينيق لـ«تنظيف» تلك المناطق من العدو أو من العوامل التي لا يعتمد عليها، ومواجهة عودة الفيتكونغ. رغم كتابَيْ سورلي وكيلكولين، ربح الشيوعيون الحرب، لكنّ الدور الأميركي استمرّ من 1963 حتى 1973.
في حالة أفغانستان، قال الجنرال ماكريستال إنّ حربه، إن خيضت بشروطه (مع زيادة في عدد الجنود تصل إلى 100,000 رجل على الأقل) تتطلّب ما بين 10 و50 سنة للنجاح.
مساحة أفغانستان تصل إلى 652,230 كيلومتراً مربعاً، جزء من سطحها مكون من هضبات ومرتفعات، ويصل عدد سكّانها إلى 28,4 مليون شخص. عدد سكّان العراق حوالى 28,9 مليون شخص موزّعين على مساحة 438,317 كيلومتراً مربعاً، قسم كبير منها مسطّح. يقدَّر عدد المدنيّين الذين قتلوا في العراق بحوالى المئة ألف مع أرقام أعلى في دراسة جونز هوبكينز ـــــ لانست.
للرئيس أوباما الذي شارك في اجتماعات عبر الأقمار الصناعية عن السياسة التي يجب اتباعها في أفغانستان قبل سفره إلى الصين، مصلحة في التحدث مجدداً مع السفير الأميركي في أفغانستان كارل أيكنبيري. إيكنبيري، وهو مسؤول عسكري سابق في البلاد (2005 ــــ 2007) ومتقاعد حالياً من الجيش، أعرب عن تحفظاته على إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان. برأيه، يجب زيادة آلاف عدّة من المدرّبين والانتظار لمعرفة ما إذا كان الأفغان قد حسّنوا من قدرتهم على الاهتمام بدولتهم. لكن، ماذا لو لم يحصل ذلك...؟


(عن «تروث ديغ»: مجلة إلكترونية أميركية تتحدث باسم الديموقراطيّين ـــــ ترجمة ديما شريف)