من صندوقه الخاص، يتكبد مستشفى صور الحكومي تكلفة الفحص الشعاعي للكشف عن سرطان الثدي لتشجيع النساء على الإقبال. مبادرة لم تكن كافية لرفع نسبة المشاركات في الحملة الوطنية السنوية التي تنظمها وزارة الصحة لافتقادها الكثير من العوامل المساعدة لنجاحها وفعاليتها، وخصوصاً في الأرياف
صور ــ آمال خليل
خمس نساء من بين ثلاثين سيدة لبّين دعوة «مركز الخيام لضحايا التعذيب» للمشاركة في ندوة صحية إرشادية عن مخاطر وماهية سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم، نظمها المركز بالتعاون مع بلدية البازورية، من قرى قضاء صور. الندوة كانت الخطوة الأولى لمبادرة المركز المجانية، بالتعاون مع مستشفى صور الحكومي، لنقل نساء القرى من أجل إجراء الفحص مجاناً، نظراً لتقاعسهن عن الفحص بسبب التكلفة المعتبرة مرتفعة بالنسبة لهن. من بين الحاضرات في المركز، اثنتان أجرتا الفحص الشعاعي للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وذلك لمرة واحدة خلال السنوات الأربع الماضية، في مركز الصليب الأحمر اللبناني في البلدة. وهذا المركز هو واحد من بين 136 مركزاً رسمياً وخاصاً، شريكاً لوزارة الصحة العامة في الحملة الوطنية للكشف عن سرطان الثدي، التي تنظم سنوياً خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، حيث يجرون الفحص بكلفة أقل في المراكز الخاصة وأقل بعد في المراكز الحكومية، ومع ذلك فإن الثلاث الأخريات لم يجرينه بسبب ارتفاع كلفته. تقترب من السيدات محاولاً استكشاف سبب غياب معظم المدعوات، لتفشي صديقاتهن لك بأنهن لم يحضرن لأسباب عدة أبرزها «الرهبة من الموضوع بحد ذاته» كما تقول إحداهن، وتهربهن من سماع «ما ستقوله الطبيبة النسائية عن عوارض المرض، مخافة أن تكون مطابقة» لما يشعرن به. عندها تواجه «الواحدة منا الحقيقة المرة وتبدأ رحلة الآلام حيث لا يريحها منها إلا الموت، فضلاً عن الأعباء المالية والمعنوية الباهظة للعلاج». سبب آخر لتدني الحضور «الشائع لمثل هذا النوع من الأنشطة في البلدة» بحسب أخرى هو «الجهل وعدم المتابعة الناجمة عن الإهمال أو ضغط الأمور المعيشية اليومية».
اللافت أن هذه الأسباب تجتمع في أكثر البلدات التي ازدادت فيها نسب أمراض السرطان بأنواعه المختلفة باضطراد، وخصوصاً بعد عدوان تموز عام 2006. تقر السيدات اللواتي ىأنسن إلى كون مستجوبتهن من الجنس ذاته «بخطورة الوضع الصحي في البلدة الذي سيتكشف أكثر مع الوقت بسبب القصف العنيف الذي تعرضت له البلدة من الطائرات الإسرائيلية» حسب اعتقادهن.
الحال ليس أفضل خارج البازورية. ففي بلدة الضهيرة الحدودية، يتفشى الإهمال بين النساء أكثر حيث لم تجر الفحص إلا نسبة قليلة جداً طوال السنوات الماضية. تقول عليا أبو ساري إن الحملة «لم تصل إلى القرى النائية بعد»، مشيرة إلى عدم وجود مركز إنمائي وخدماتي تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية أو مستوصف لوزارة الصحة. أما الهيئات الدولية العاملة في المنطقة بعد العدوان «فإنها توجه اهتمامها للمشاريع الخدماتية والترفيهية للأطفال». عليا تؤكد أنه «لو تسنى لنا إجراؤه مجاناً في بلدتنا فمعظمنا حاضرات، لأن البلدة تفرغ من سكانها خلال الشتاء ولا تتوافر وسائل مواصلات طوال السنة». إشارة إلى أن أقرب مركز معتمد يقع في بلدة عين إبل وفي مدينة صور على بعد عشرات الكيلومترات.
مكمن الإقبال على الفحص يعود إلى وفاة 3 نساء
أما في بلدة البرج الشمالي التي تبعد أمتاراً عن مستشفى صور الحكومي، فإن الخوف يتفشى بين النساء من دعوة المركز إلى حضور ندوة توعية عن المرض، يقيمها الاثنين المقبل بالتعاون مع البلدية ويعقبها إجراء الفحص الشعاعي. معظمهن رفضن بالرغم من أن قريبات لهن أصبن بالمرض، من بينهن فتاة في مقتبل العشرين من العمر.
حتى اليوم، وبعد مرور أكثر من شهر ونصف على بدء الحملة، لم تكتمل العناصر الآيلة لنجاحها في مستشفى صور رغم محاولته لتذليل العوائق لوصول المرأة إلى قسم الأشعة. وبعد إطلاق الوزارة للحملة قبل سبع سنوات تصاعدت الشكاوى عن قصور العناصر المتوافرة لتشجيع النساء على إجراء الفحص الشعاعي للثدي. أول الانتقادات طالت التكلفة المالية العالية للفحص التي تبلغ ثلاثين ألف ليرة في المؤسسات الصحية الرسمية وأربعين ألفاً في المؤسسات الخاصة. وثانيها تطرق إلى فقدان الحملة الوطنية إلى حملة إعلامية شعبية موازية تشمل عرض برامج مكثفة وملاحق إرشادية قصيرة عن المرض في وسائل الإعلام وإقامة ندوات توعية في المناطق. ما حدا بالبعض إلى وصف مشروع الوزارة «بدعوة خاصة لمن يرغب بالكشف عن سرطان الثدي» بدلاً من تسميتها بالحملة الوطنية.
في السنوات الماضية، بادرت إدارة مستشفى صور إلى التواصل مع بلديات قضاء صور ومحيطها للتعاون في تشجيع النساء في كل منها، على الحضور لإجراء الفحص. واستناداً إلى النسب المنخفضة للواتي أجرين الفحص، يظهر أن الخطوة لم تكن كافية لدى الكثيرين. فالبعض طالب بوضع النساء «في الجو قبل الفحص من خلال الندوات التي تعرّف بالمرض، بالإضافة إلى توفير وسائل النقل من القرى إلى المستشفى، وخصوصاً البعيدة عنه. والأهم من ذلك كله خفض الكلفة». ولأن «إمكانيات المستشفى والوزارة محدودة ولا يمكنها إرسال فرق إرشادية إلى جميع القرى» بحسب مسؤول في المستشفى، انتظر الطرفان تلبية من ترغب للدعوة من دون حوافز كبرى باستثناء خفض الكلفة. المسؤول ألقى باللوم على الهيئات المحلية والبلديات والأحزاب «غير المتعاونة المشغولة بالمصالح السياسية والخاصة، علماً بأنها تملك نفوذاً بين الناس لتفرض حملات مفيدة كهذه». في حملة هذا العام، حاولت إدارة المستشفى الالتفاف على العوائق التي تضعها النساء أمام مشاركتها في الحملة، فبادرت بقرار خاص إلى إلغاء الكلفة المالية التي تفرضها الوزارة على الفحص وتخلت عن مبلغ الثلاثين ألفاً الذي تجنيه عن كل صورة للسيدات اللواتي تخطين الأربعين من العمر، لتفسح المجال أمام أكبر عدد من النساء للمشاركة.
كل صورة تبلغ تكلفتها حوالى عشرة دولارات بحسب مصادر في المستشفى. أما النتيجة فقد وصلت إلى سبعين سيدة في شهر تشرين الأول، ثلاثون في المئة منهن حضرن بمبادرة خاصة. أما جزء من الأخريات فقد أتين دفعاً من مؤسسة عمّار الخيرية الدولية من مقرها في بلدة القليلة. عدد كبير من نساء البلدة راغبات بالمشاركة في الحملة في ظل مجانيتها وتأمين المواصلات. مكمن الإقبال الأول من نوعه، يعود إلى وفاة ثلاث نساء خلال الأشهر القليلة الماضية بهذا الداء الذي أصابهن بعد العدوان. ولأنهن اكتشفنه متأخرات وبالصدفة بعد تفاقم الأوجاع، وبسبب عدم تجاوبهن مع الدعوة للفحص المبكر «عانين الأمرين وانتهين بسرعة» تقول إحدى جاراتهن بحزن.
وبحسب عدنان فقيه مسؤول الخدمات فيها، اتفقت المؤسسة مع إدارة المستشفى على «تنظيم انتقال ست سيدات كل يوم أربعاء لإجراء الفحص من القليلة و12 بلدة في محيطها، بعد أن يكون قسم الإرشاد فيها قد أعدهن عبر ندوات التوعية على المرض». ولأن مرحلة ما بعد اكتشاف الإصابة هي الأصعب والأكثر كلفة، تتعاون المؤسسة مع أحد مستشفيات بيروت لناحية تغطية كلفة الفحوصات المخبرية اللازمة.


الفلسطينيات بـ«مصاري»

خمسة عشر مركزا صحيا رسميا وخاصا في اقضية الزهراني وصور ومرجعيون وبنت جبيل والنبطية، يفتح ابوابه يجري الفحص الشعاعي (بكلفة تتراوح بين ثلاثين الف ليرة لبنانية واربعين الف ليرة لبنانية في المراكز الخاصة) وذلك حتى انتهاء الحملة الوطنية أواخر الشهر الجاري. الا ان ادارتي مستشفى مرجعيون الحكومي الى جانب مستشفى صور، قامتا بتمديد المهلة الى رأس السنة المقبلة، وبادرتا بشكل فردي الى اطلاق حملة بموازاة الحملة الوطنية لتشجيع النساء فعليا على المشاركة عبر الفحص المجاني بعد التوعية بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني. الاستثناء الوحيد الذي اقرته ادارة مستشفى صور، وهو مستشفي كائن في مخيم البص الفلسطيني، حصر المستفيدات من الفحص المجاني، ب..حاملات الجنسية اللبنانية! اما الفلسطينيات فلهن، بعد الله طبعاً، الأونروا التي تعاني ميزانيتها من تقليص تدريجي مستمر. أما اولئك اللبنانيات اللواتي استفدن من الحملة، فقد ظهرت اصابة ثلاث منهن بسرطان الثدي.