عادوا مجدداً للظهور. هم المعتادون على الاختباء، ليس لذنب اقترفوه، بل لأنهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية. هم فلسطينيون أتوا إلى لبنان مع الثورة الفلسطينية. رحلت الثورة، وبقوا، ليصبح اسمهم الرسمي «فاقدو الأوراق الثبوتية»

قاسم س. قاسم
«أمي لبنانية أخوها قاضي استنئاف، وأخوها التاني كان مفتي صور، تزوجت والدي الفلسطيني وعندها ست ولاد، وعلى أوراقها الثبوتية بعدها عزباء»، يقول مدير العلاقات العامة في جمعية «حقوق»، بسام حبيشي، وهو يبتسم. والدة بسام ليست العزباء الوحيدة التي لديها أولاد لا بل أحفاد، فهي عينة من نساء تزوجن من فلسطينيين من فئة فاقدي الأوراق الثبوتية. هكذا، اجتمعت أمس في نقابة الصحافة اللبنانية في بيروت 3 جمعيات حقوقية فلسطينية (شاهد، حقوق، التنمية الإنسانية) وأصحاب العلاقة، لعقد مؤتمر صحافي توجه من خلاله رسالة «تسلط الضوء على مأساة فاقدي الأوراق»، كما قال منسق العلاقات العامة في «شاهد»، محمد الشولي. فليس من السهل لفت نظر الرأي العام إلى أشخاص «غير موجودين» رسمياً. فئة لا تستطيع أن تعمل، أو أن تتعلم، محرومة من التنقل، الزواج، أو أن تسجّل أبناءها، كما يشير أحد الملصقات المعلقة.
هكذا، اعتلى المنصة منسق البرامج في «التنمية الإنسانية»، سامر منّاع، متحدثاً باسم الجمعيات الثلاث عن الصعوبات التي تواجه هؤلاء الناس، شارحاً الخطوات التي جرت حتى الآن من أجل إصدار بطاقات تعرّف عنهم. فبعد المساعي التي بذلتها سفارة دولة فلسطين ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وبعض الجمعيات الأهلية لدى الدولة اللبنانية لإقناعها بإعطاء هذه الفئة بطاقات تعريف مؤقتة يصدرها الأمن العام اللبناني لتسهيل تنقلّهم، اعتبر هذا الإجراء بمثابة خارطة طريق لتسوية وضعهم النهائي. لكن قرار توقيف إصدار هذه البطاقات منذ نحو عام، جاء ليعرقل المسيرة السلمية لعملية التفاوض بين المعنيين ووزارة الداخلية والبلديات. ذلك أنه برغم الإعلان عن «إعادة فتح باب إعطاء بطاقات التعريف، إلا أنّه عملياً لم تعطَ أي بطاقة حتى الآن لأسباب إجرائية»، كما قال منّاع. عدم إصدار بطاقات جديدة لم يكن مشكلة فاقدي الأوراق الوحيدة. فبعدما توجّه عدد منهم إلى مركز الأمن العام بهدف تجديد بطاقات التعريف المؤقتة، فوجئوا بطلب الموظفين منهم ورقة إضافية من سفارة فلسطين تفيد بأنهم لا يحملون جواز السلطة الفلسطينية. مطالب الأمن العام رفضتها سفارة فلسطين لسببين، أولاً لأن «الأمن العام لم يضع السفارة في صورة تلك الطلبات»، كما قال منّاع، والسبب الثاني هو عدم مقدرة السفارة على «إعطاء هذا الإقرار لأنها لا تضمن أن يكون المعني قد استصدر جواز سفر من رام الله أو من غزة مباشرة». هكذا، وبعدما أعطت السلطة بعض فاقدي الأوراق جوازات سفر بهدف التعريف عنهم واعتبار ذلك وثيقة ثبوتية، إلا أنها «لا تخول حاملها العودة إلى أراضي السلطة لأنه لا يحمل رقماً وطنياً، بالإضافة إلى عدم اعتراف لبنان بدولة فلسطين برغم إعطاء صفة السفارة لمكتب منظمة التحرير». مطالبة سفارة فلسطين في لبنان بإصدار إقرار بمن يملك جوازات سفر من السلطة، حتم على الدولة اللبنانية، بحسب الإجراءات المعمول بها، اعتبار حامله أجنبياً، وعليه، استخراج إقامة للبقاء في لبنان ودفع تكاليف حدها الأدنى 200 دولار. أما المفارقة التي أشار إليها منّاع فهي أنه على طالب الإقامة «التعهد لدى كاتب العدل بعدم العمل»! وقد طلب منّاع من وزير الداخلية والبلديات زياد بارود أن يسمح بأن «تكون إقامة حملة تلك الجوازات مجانية ودائمة، وضرورة أن تكون خصائص الإقامة الممنوحة لهم تخول صاحبها العودة إلى لبنان في حال السفر حتى لا يقع فاقد الأوراق الثبوتية بين مطرقة عدم قدرته على العودة إلى فلسطين وسندان عدم السماح له بالعودة إلى لبنان». ثم تحدث ممثل سفارة فلسطين، أسعد حموري، قائلاً إن «السفارة لم تعط إقراراً للأمن العام، لأن بعض الأشخاص الذين استصدروا جوازاتهم مباشرة من رام الله وغزة، والسفارة لا تعلم بأعدادهم»، مضيفاً أنه «عند انتهاء صلاحية تلك الجوازات لا تملك السفارة المقدرة على تجديدها لأن التجديد مرتبط بالسلطة الفلسطينية مباشرةً». ثم تحدث حبيشي فقال إنّ هذا المؤتمر هو بداية تحرّك تصعيدي، مهدداً «بالاعتصام في 11 كانون الأول في الساعة 10 صباحاً أمام وزارة الداخلية». وفي الختام تحدث بعض فاقدي الأوراق الثبوتية عن تجاربهم، فكان أغربها أحمد عيسى الفلسطيني، الذي له 8 أولاد: يحمل هو و4 منهم الجنسية اللبنانية، فيما يحمل ثلاثة آخرون الوثيقة الفلسطينية. ويبقى أن الفلسطيني «فاقد الأوراق الثبوتية».