Strong>ليال حدادفي البدء كانت فلسطين. ثمّ جاء المهمّشون والفقراء. وبعدهم وُلدت الأنثى، ليكتمل معها مثلّث نضال زينة زعتري. مثلّث جعل منها أشهر ناشطة نسوية في لبنان والعالم العربي. لم تعِش زعتري طفولة مدموغة بتسلّط أبويّ، ولا عانت تمييزاً جندريّاً، بل على العكس. ولدت هذه المرأة الصيداوية في كنف عائلة تقدميّة، ناضل أفرادها سنوات في صفوف الأحزاب اليسارية والقومية، حتى إنّ والدتها سيقت إلى السجن مرةً بسبب توزيعها مناشير سياسية في شوارع صيدا. هذه الوالدة التي علّمت زينة كيف تكسر كل القيود الاجتماعية.
مع ذلك، ظلّت زينة تجد نفسها غريبةً في مجتمعها الخاص. في المدرسة، لم تكن تفهم لماذا كانت رفيقاتها يقابلن الشباب بالخفية، ويُضطّررن إلى الكذب على الأهل، أو يتحايلن على الأهل للذهاب في نزهة أو {بيك نيك} مع الأصدقاء. كانت ترى في كلّ المظاهر، انتقاصاً من حقّ المرأة وقيمتها.
قيمة أدركتها جيداً عندما كانت في التاسعة من عمرها، أي عام 1982. في تلك السنة، رأت زينة الطفلة، دور النساء الأساسي في تنظيم شؤون المنزل وتدبير العائلة وتأمين المياه من بحر صيدا، في وقت كان فيه الرجال، إما في ساحة القتال أو يخضعون لتحقيق قوات الاحتلال الإسرائيلية. تستعيد زعتري ذكرياتها في تلك السنة: الهرب من الحواجز العسكرية للوصول إلى المدرسة، ثمّ نقل الصفوف من مبنى إلى آخر هرباً من القصف الإسرائيلي... رغم صغر سنّها، توضّحت وقتها الأولويات السياسية جيداً في رأس زينة الصغيرة: الاحتلال ومقاومته حقّ وواجب.
غير أنّ هذه الأولويات لم تتبلور تبلوراً نهائياً إلّا عام 1987، مع الانتفاضة الأولى في فلسطين. يومها كانت زينة تذهب خلسة ومن دون علم أهلها إلى التظاهرات الداعمة للانتفاضة، لتفاجَأ هناك بوجود أمّها وأبيها!
لكن سنوات صيدا انتهت، وعام 1990، مع العبور إلى مرحلة {السّلم الأهلي}، انتقلت زينة إلى {الجامعة الأميركية في بيروت} لدراسة العلوم الاجتماعية و... الهندسة المعمارية. كيف لا وهي الفتاة المتفوّقة في الرياضيات؟ اكتشفت سريعاً أنها غير مهتمّة بتصميم الأمكنة، بقدر اهتمامها بنظرة الناس إلى هذه الأمكنة. هكذا تركت الهندسة المعمارية، واكتفت بدراسة الاجتماع والأنتروبولوجيا.
هنا أيضاً وجدت زينة نفسها غريبة عن محيطها: كانت الـ AUB قد تحوّلت من جامعة الطبقة الوسطى إلى جامعة نخبوية، يسيطر عليها التمييز الطائفي والطبقي بين الطلاب. فوجئت الفتاة الصيداوية، بالأفكار المسبّقة التي يملكها بعضهم عن أهل الجنوب، وبتعاطي الطلاب في ما بينهم على أساس طائفي، {لم يكن لديّ في القسم سوى أصدقاء قليلين، أولئك الذين استطعت التحاور معهم، بينهم الدكتور نبيل بيهم}. قصة هذا الأكاديمي الشجاع بقيت محفورة في رأس زينة. خاض بيهم معارك ضارية ضدّ مشروع إعادة إعمار وسط بيروت على طريقة {سوليدير}، فكلّفته مواقفه ثمناً باهظاً، إذ ترك {الجامعة الأميركية} تحت الضغط متوجّهاً إلى فرنسا.
أنهت زينة سنوات الإجازة في الجامعة، وبدأ مشروع السفر يراودها بشدّة. أما الوجهة، فكانت الولايات المتحدة، تحديداً {جامعة أيوا}، للإعداد لشهادتها العليا في الأنثروبولوجيا، {ذهبت لألتقي مستعمري الجديد} تقولها، فترتسم ابتسامة عريضة على وجهها. هناك منذ الأسبوع الأوّل، تعرّفت إلى شابين فلسطينيَّين، وأصبحت ناشطة في {اتحاد الطلبة الفلسطينيين}. في الولايات المتحدة، كسرت زينة زعتري حاجزاً مجهولاً كان يعيق تحركاتها في لبنان، هذه النقلة تختصر بالعاميّة: {طلعت من حالي}. بدأت نشاطاتها السياسية والاجتماعية تزداد تلقائياً. عام 1996، أثناء عمليات {عناقيد الغضب} الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، شاركت زينة في الإعداد لتحركات وتظاهرات مناهضة للصهيونية والحرب. وفي موازاة كل هذا النضال الوطني والقومي، كان كفاحها ناشطاً على جبهة أخرى، جبهة النساء. {أرادت مواجهة الكمّ الكبير من الصور المغلوطة والأفكار المسبّقة التي يملكها الأميركيون عن المرأة العربية والمسلمة، وخصوصاً أنّ الدراسات الغربية في هذا المجال، يكتنفها عدد لا بأس به من المغالطات}.
منذ ذلك الوقت سترابط الباحثة الشابة على جبهتين متوازيتين: التقدميّة ـــــ القوميّة والنسويّة. {قضية النساء هي قضية مصيرية تماماً كباقي القضايا الوطنية العادلة}. وانطلاقاً من هذا الإيمان، شاركت زعتري في عدد من الجمعيات، وأسهمت في تأسيس قسم كبير منها، مثل {فلسطين الحرة}، و{طلاب من أجل العدالة في فلسطين} و{روان: شبكة النساء العربيات الراديكاليات الناشطات}، إضافةً إلى {المجلس الوطني للعرب الأميركيين}.
هكذا، بدأ اسم زعتري يبرز على ساحة الحركات النسوية. كيف لا، وقد كانت المرأة الوحيدة التي تجرّأت على انتقاد الحركات النسوية في لبنان والعالم العربي. للنساء الحقّ في تقرير مصيرهنّ، لهنّ الحقّ في التصرّف بأجسادهنّ، وفي اختيار الزواج، أو ببساطة عدم الزواج... تُسلسل زعتري الأفكار التي تراها أساسية للشروع في مسيرة تحرير المرأة، وهي أفكار غير موجودة عند معظم المدافعات عن حقوق النساء، فالمشكلة {أن الجمعيات النسائية لا تطالب بما هو أكثر من البديهيات}. وتذكر بعض الحوادث التي أكّدت لها أن العمل النسوي في لبنان لا يزال في بداياته: {بعض الجمعيات لا تزال تخجل من طرح موضوع الحرية الجنسية عند النساء}.
وفي موازاة ذلك، تلفت زينة زعتري إلى نقطة قلّما جرى التطرّق إليها عند الحديث عن تحرّر المرأة، إنها الطائفية السياسية {التي تكرّس النظام الأبوي في مؤسسات الدولة والمجتمع... وخصوصاً في إطار قوانين الأحوال الشخصية، بعدما كرّست الأبوية في المؤسسة العائلية والدينية. وبالتالي يجب تقديم نقد نسوي للطائفية السياسية في لبنان، ليس فقط من منطلق علماني أو مشروع حداثة الدولة، بل أيضاً من منطلق علاقة المرأة كمواطنة بالمجتمع}.
غير أن نضالها لم يكتمل إلّا مع عملها منسقةً عليا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في {الصندوق العالمي للنساء} عام 2004. هذا العمل سمح لها بالتعرّف أكثر إلى الجمعيات النسائية في المنطقة، وخصوصاً أنّ الصندوق يقدّم الدعم المادي إلى الجمعيات النسائية، كما أنهّ يؤدّي دوراً في بعض تعريف الجمعيات على بعضها الآخر. الطريق طويلة نفكّر، لكن زينة تجاوزت الخطوات الأولى حقاً، وهذا وحده يستحق الاحتفاء.


5 تواريخ

1973
الولادة في صيدا

1995
الالتحاق بـ{جامعة} أيوا في الولايات المتحدة

2003
حازت شهادة دكتوراه في الأنثروبولوجيا من {جامعة كاليفورنيا ـــــ دايفيس}

2004
بدأت عملها في {الصندوق العالمي للنساء}

2009
المشاركة في مؤتمر {النسوية العربية: رؤية نقدية} في AUB