كامل جابرلم يتوقف روّاد الحديقة العامة في حي البيّاض في مدينة النبطية، عند بعض التبدّلات التي بدأت تحصل فجأة في الحديقة التي أنشأتها البلدية منذ نحو 6 سنوات لعامة الناس، إلى أن حمل القوس عند مدخلها الشمالي اسم «استراحة غاردن بالاس» بالتزامن مع انتشار شائعة تفيد بأن البلدية «أجّرت الحديقة بالاستثمار مدة 10 سنوات».
هذه الشائعة تحوّلت إلى حقيقة بعدما انتشر خبر ثانٍ عن تأجير الحديقة للمغترب محمد عزت بدر الدين، المقيم في لندن، وهو من أقارب رئيس البلدية، الدكتور مصطفى بدر الدين، مقابل مبلغ 500 دولار أميركي شهرياً. وتردّد أنه لم يعد في إمكان المواطنين إدخال الطعام إلى الحديقة التي كلّفت البلدية مبالغ طائلة حتى آلت إلى ما آلت إليه. وأكد شكوك الأهالي بقيام البلدية بإزالة عشرات المقاعد الحديدية من الحديقة، وهدم العديد من الأرصفة والأحواض وحتى نزع الورود وقطع أغصان بعض الأشجار، لتُبنى في وسط الطريق التي كانت تفضي إلى جناح ألعاب الأطفال، خيمة ضخمة من حديد وقرميد فضلاً عن إقامة مراحيض قريبة وغرف لبعض الحيوانات الأليفة، استقدمت لها أكواخ كانت البلدية السابقة قد أقامتها في سوق النبطية (سوق الغلّة) ثم أزالتها البلدية الحالية، مع أن تكلفتها تجاوزت، في حينه، مبلغ 20 مليون ليرة لبنانية.
«الأخبار» أثارت هذا الموضوع أمام عدد من أعضاء المجلس البلدي للمدينة، فنفى المسؤول الإعلامي، الصيدلي عباس وهبي، علمه بأن الحديقة أُجّرت بالاستثمار: "هناك استثمار لكافيتريا داخل الحديقة، لكن من حق جميع الناس أن يدخلوها متى شاؤوا وأن يحملوا معهم ما يرغبون من أطعمة ومرطبات، هذا ما أعلمه ولا أعتقد أن ثمة أموراً أخرى تجري خارج هذا الإطار، لكن سأعاود الاتصال بعد مراجعة رئيس البلدية». وبعد المراجعة اتصل وهبي ليقول إن رئيس البلدية «يشرف شخصياً على أعمال التأهيل التي ستحسّن الحديقة نحو الأفضل، وهي ستبقى حديقة عامة، وثمة مراجعات بخصوص التسمية وبعض أعمال البناء».
وكشف وهبي، في ما بعد، لـ«الأخبار»، أن «نقاشاً إيجابياً دار داخل المجلس البلدي ومع رئيس البلدية، وقد أبدى الأخير تجاوباً وطمأن الجميع إلى أن الحديقة ستبقى عامة، وأن المقاعد ستعود إلى مكانها». وأكد أنه «يمكن المواطنين من أبناء المدينة والجوار زيارة الحديقة متى شاؤوا من دون دفع بدائل مادية».
لكن «الأخبار» علمت أن سجالاً طويلاً دار في غرف البلدية بين العديد من أعضاء المجلس البلدي ورئيس البلدية، وخصوصاً أن أعمال التلزيم والاستثمار تمت من دون إجراء مناقصة عمومية علنية يدعى إليها العديد من أبناء المدينة. وقد طرحت أسئلة عن كيفية «استقرار الاستثمار، المفترض أن يكون لكافتيريا في حديقة حيّ البياض وليس للحديقة بأكملها كما أشيع، مع حديقة أخرى قريبة من نادي الشقيف في النبطية، على المغترب بدر الدين، قريب رئيس البلدية دون غيره؟ هذا في وقت هناك العديد من المؤهلين من أبناء المدينة والجوار في إدارة المطاعم والاستراحات الذين فوجئوا بما جرى؟»، بحسب أحد أعضاء المجلس البلدي الذي آثر عدم ذكر اسمه.
كذلك، نوقشت خلال الاجتماع مجموعة من المسائل المتعلقة بالأصول القانونية التي جرت فيها المناقصة، إذ «كيف رست على من رست عليه؟ وكيف جرت أعمال التخريب في الحديقة بأكملها من دون تحديد الزاوية التي ستنشأ عليها الكافيتريا بإشراف مهندس متخصص في البلدية، وهم كثر، ومن دون تقديم رسم مخطط مسبق اتُّفق عليه؟ ولماذا أزيلت المقاعد والأحواض وبُدّلت معالم الحديقة التي تنفق عليها البلدية شهرياً نحو ثلاثة ملايين ليرة لبنانية للريّ وتنسيق الأزهار وإزالة النفايات والتنظيف؟ ومن هي الجهة في البلدية التي أتاحت للمستثمر استخدام أكواخ تعود للبلدية في مشروع خاص يستفيد هو من استثماره؟».
أسئلة لا تنفع معها التطمينات الكلامية، من دون إجراءات عملية قانونية، تنقذ ما بقي من مساحات عامة.


إضاءة

بتأجير حديقتَي حيّ البياض ـــــ طريق المخيم، وحي “النبعة” طريق نادي الشقيف، تخسر مدينة النبطية حدائقها العامة كلها، التي كانت قد أنشأتها أو أهّلتها المجالس البلدية السابقة. منها ما خُرّب وتبدّد، ومنها ما لم يعد متاحاً أمام العامة من الناس، الذين كانوا يلجأون إليها كآخر متنفّس أخضر بعد تفوّق مساحات الإسمنت والأبنية على ما عداها في المدينة. وسبق لـ“الأخبار” أن أشارت في عددَيها الصادرين بتاريخ 15 أيلول 2009، و14 تشرين أول 2009 إلى قضية تبديد حديقتين عامّتين في النبطية، واحدة قرب مركز البلدية، وأخرى في محاذاة المدرسة المهنية الفنية العالية. وفي الحالين انتصرت الفوضى على القانون والنظام، على مرأى المسؤولين في البلدية ومسمعهم. تُضاف إلى هذه الحدائق، حديقة عامة في حي التعمير (المسلخ) كانت قد أهّلتها البلدية السابقة قرب المدرسة الرسمية، وتحوّلت مرتعاً للنفايات برغم مراجعات أبناء الحي