أحمد محسنقليلون هم المواطنون الذين يعرفون ما قد يواجههم إذا سبّبوا ضرراً يصيب الممتلكات العامة، فالقضية أعقد من التكفّل بإصلاح ما أُفسد. مثالان:
كانت سارة متوجّهة إلى وسط المدينة عندما فقدت السيطرة على فرامل سيارتها، فاصطدمت بأحد الجدارين في النفق المؤدي إلى الإسكوا. ظنّت أن أضرار الحادث اقتصرت على كسور في هيكل سيارة والدها، من نوع مرسيدس 300 لكن... فاتها إصلاح الجدار!
ذلك أن عناصر القوى الأمنية الذين حضروا إلى المكان، أعلموا سارة أن الجدار ملكية عامة، ويجب عليها التكفّل بإصلاحه. ولم تكذّب البلدية خبراً، فعمدت إلى إصدار “أمر تحصيل”، دفعت سارة بموجبه مبلغ 609 آلاف ليرة لإصلاح الحائط المعطوب، وحصلت على إيصال بالمبلغ. لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فللحقّ العام... حقّه أيضاً. لهذا استُدعيت سارة مجدداً للمثول أمام المحكمة الجزائية في بيروت، التي ألزمتها دفع غرامة بقيمة 200 ألف ليرة لبنانية إضافية. مع صدور الحكم، ودفع المستحق، اعتقدت سارة بأن الأمر سينتهي، وأنها عوّضت، ولو مادياً، على البلدية خسارتها الفادحة في الجدار. لكنها اكتشفت لاحقاً أن تهمة “عدم التبصّر والإهمال” التي أُدينت فيها، من جانب المحكمة، تحظى بإشارة على سجّلها العدلي الأزرق، لأن فعلها يعدّ بمثابة الجنحة، يقول محامي سارة، محمود سعيد. هكذا انتظرت السيدة ثلاث سنوات، منذ الحادثة عام 2006، حتى استطاعت استعادة نظافة سجلها العدلي. المفارقة، وفقاً لما أكده المحامي، أنّ الجدار “المصاب” لا يزال ينتظر الإصلاح!
سارة ليست وحيدة في ارتكاب جرم “عدم التبصّر”، و“التعدّي” على الممتلكات العامة. بثينة، الدكتورة الجامعية، عانت أمراً مشابهاً. كانت تركن سيارتها أمام أحد المصارف في منطقة باب إدريس، قبل أن يفاجئها “رتلٌ” من رجال شركات الأمن الخاص، الحريصين على أمن المدينة. وقد أخبرها أحدهم، متأسفاً، أنها “تعدّت” على عمود يخصّ شركة “سوليدير”. عمود لا يراه إلّا المحدّق إليه، فطوله لا يتجاوز الثلاثين سنتيمتراً، على ذمة بثينة. طلبوا منها أن تذهب معهم إلى المخفر، في الطيونة، لتحرير محضر بالحادثة على الرغم من وجود ابنتها، البالغة من العمر ثلاث سنوات معها في السيارة. الأمر لم يختلف مع وصول القوى الأمنية الرسمية إلى المكان، هؤلاء أيضاً أصرّوا على اصطحاب بثينة معهم إلى المخفر، رغم حضور خبير من إحدى شركات التأمين، وتكفّله بإصلاح العمود.
رضخت بثينة وذهبت مع رجال الأمن إلى المخفر، حيث بقيت هناك حتى الساعة الثانية فجراً. ولم تسمح القوى الأمنية لزوجها بالبقاء مكانها، لأنها هي مرتكبة “الجرم”.
بعد شهر على الحادثة، تلقّت بثينة اتصالاً من مخفر حبيش، لتتسلّم تبليغاً جاء فيه أنه يجب عليها دفع مبلغ 307 آلاف ليرة إلى بلدية بيروت ثمناً للعمود المكسور... فدفَعت. وفي الثاني من أيلول الفائت تسلّمت تبليغاً آخر، تحت عنوان “أضرار عامة”، كما طُلبت لجلسة استماع في الثالث من تشرين الثاني الجاري، تبلّغت فيها أن الأمور شارفت على الانتهاء مع قرب صدور حكم بكف التعقبات... كلّ هذا من دون أن يجري إصلاح العمود حتى الآن.
وكالعادة في أيّ قضية تتعلق ببلدية بيروت، يرمي كلّ من محافظ العاصمة ورئيس بلديتها المسؤولية على الآخر. فيؤكد رئيس بلدية بيروت، عبد المنعم العريس، في اتصال مع “الأخبار”، أن “كلّ ما يتعلق بالجباية والأملاك الخاصة بمدينة بيروت وبلديتها، يعدّ من مسؤولية محافظ المدينة، الذي يمثّل الجهة التنفيذية المباشرة في الموضوع”. من جهته، يلفت محافظ مدينة بيروت بالوكالة ناصيف قالوش إلى أن “البلدية تعرض على المتسبّب بالضرر التكفّل بإصلاح الأمر بصورة شخصية، وذلك بوجود محضر درك رسمي، وتصدر أمر تحصيل في حال رفضه الإصلاح، أو تملّصه من الموضوع”. وفيما استغرب قالوش الحديث عن “تأخر في إصلاح ممتلكات البلدية” أكد أن “لكلّ مواطن الحق في مراجعة بلدية بيروت، ومطالبتها بإصلاح أي ضرر، وخصوصاً إذا لاحظ تأخّراً في إصلاح ما أفسدته يداه”.