كما المقاومة كذلك حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأسرتها، يمثّل بنداً خلافياً أيضاً على جدول أعمال البيان الوزاري، ما استدعى سحبه منه، بعدما كان قد أُدرج فيه في ظلّ اعتراض وزيرين فقط
مهى زراقط
يقال أنْ لا حيلة للضعيف إلّا التوجه إلى الله بالدعاء. وهذا ما لجأت إليه أمس امرأة لبنانية كانت تشارك في المؤتمر الصحافي، الذي دعت إليه حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي». لكن احزروا ما كان دعاؤها؟ السيدة قالت بصوت مختنق: «إن شاء الله تتزوج كلّ بنات السياسيين رجالاً أجانب». خلاصة منطقيّة لجلسة استمرّت ساعة، اختلطت فيها الدموع بلحظات صمت العاجزين عن متابعة الكلام. كلّهن أمهات لبنانيات ارتكبن «جريمة» الزواج برجال غير لبنانيين، وكانت النتيجة تعاسة الأولاد، الذين قدموا إلى الحياة، ووجدوا أنفسهم مهددين بالترحيل في أي لحظة، لعدم القدرة على توفير بدل الإقامات. أما الإقامة المجانية التي تُعطى لهم، فهي تحوّلهم إلى عاطلين من العمل، متّكلين على أمهاتهم لتوفير المصروف. وفي الحالات التي يكون فيها الأهل مرتاحين مادياً، لا يمكن الأم أن تورّثهم أملاكها... لأن الأب فلسطيني.
«عندما ولدنا نساءً، لم يقل لنا أحد إنه لا يحق لنا الزواج بأجنبي»، تقول ليلى عياش، التي تشكو «العذاب اليومي» الذي تعيشه وأولادها. لا تكمل جملتها بسبب اختناق صوتها، فتتابع زميلتها عنها: «كأنهم يقولون لنا، عقاباً لكن لزواجكن بأجانب، غادرن هذا البلد».
لكن الضعف لم يكن سمة كلّ النساء اللواتي كُنّ أمس في إحدى قاعات نقابة المهندسين، على العكس، فإّن كثيرات كنّ متحمسات لتفعيل التحرك، والضغط على السياسيين، وهنّ من عبّرن عن الرغبة في الاعتصام للضغط على اللجنة الوزارية لإدراج حقّهن في منح أُسرهن الجنسية ضمن البيان الوزاري. ولم تتردّد سيدة في القول، مستنتجة من كل الشهادات التي سمعتها خلال المؤتمر إن «مجلس النواب لا رجال فيه، بل ذكور» يجب مواجهتهم.
يعترض رجل على التعبير، فالذكورية التي تحكي عنها السيدة لا تشمل النساء فقط، بل الرجال أيضاً، وهو منهم. حيدر راضي، قصته طويلة مع الجنسية، خلاصتها أنه أب لبناني لسبعة أولاد لا يملكون أية وثيقة تثبت هويّتهم. يبكي وهو يحكي عن الأذى الذي سبّبه لأسرته فيما تلوذ زوجته بدموعها.
معاناة هذه الأسر التي وجدت أمس فسحة للتعبير عن آلام يومية، تتوقّف على تعديل قانون الجنسية، الذي يعطي المرأة اللبنانية حقّها الدستوري بمساواتها بالرجل. حق يثير الاعتراضات داخل اللجنة الوزارية المنكبّة على صياغة البيان الوزاري. فحق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأسرتها بند خلافي أيضاً على جدول أعمال اللجنة، ما استدعى سحبه من البيان الوزاري، بعدما كان قد أُدرج فيه. هذه هي المعلومات التي وصلت إلى حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، كما تقول منسّقتها لينا أبو حبيب. وأوضحت أن وزير الداخلية، زياد بارود، أبلغها أنه كان قد نجح في المرحلة الأولى من صياغة البيان الوزاري في إدراج الموضوع ضمن بنوده، «لكننا عرفنا أخيراً أن العديد من الوزراء والوزيرات طالبوا بإعادة مناقشته، ولم نعد متأكدين إن كان سيُدرَج في البيان أم لا».
لهذا ناشدت الحملة، على لسان المحامية إقبال دوغان، الحكومة اللبنانية الجديدة «الالتزام بتعديل قانون الجنسية إزالةً للتمييز، وتنفيذاً للمواثيق الدولية التي وقّعها لبنان، على أن يرد ذلك بوضوح في نص البيان الوزاري، الذي يجري إعداده». كما أعربت عن أسفها «لقرار الاستئناف الذي نزع عن أم لبنانية حقها الطبيعي بمنح جنسيتها لأولادها، ما يضعنا مجدداً أمام ضرورة تعديل قانون الجنسية الحالي، باعتباره الحل الأمثل والوحيد الذي يكرّس حق جميع النساء اللبنانيات في المواطنة الكاملة، والمساواة بالرجال من دون تمييز، ولا سيّما حقها في إعطاء الجنسية لأسرتها، من دون أي استثناءات لجهة جنسية الوالد».
وفي هذا الإطار تحدثت سميرة سويدان، التي حصلت على حكم قضائي يمنح أطفالها جنسيتها، فقالت إن ما تطالب به هو حقها «أنا لا أتسوّل منهم، ولم أطرق بابهم يوماً، ولا أقول لهم أن يعيّشوا لي أولادي. أولادي الذين لم يقولوا يوماً بلادي بلادي (النشيد الوطني المصري)، بل قالوا كلنا للوطن».
كذلك، تحدث خلال اللقاء كلّ من الشاب خالد إمام، المهدّد بالترحيل، عضو مؤسسة راصد لحقوق الإنسان عبد العزيز طارقجي، وكريمة شبو، التي عرضت للحالات الإنسانية والقانونية التي يسبّبها حرمان الأطفال جنسية أمهاتهم. وكان اللقاء قد بدأ بالوقوف دقيقة صمت على روح رئيسة التجمع النسائي الديموقراطي وداد شختورة.