strong>كريستوفر هايز*بعدما حطّت طائرة باراك أوباما في الصين، بدا وكأنّ الصحافة الأميركية اتفقت على اعتماد عنوان واحد. فكتبت «نيويورك تايمز» أنّ الرئيس «سيتولى دور المبذّر الذي أتى ليعبّر عن احترامه للمصرفي الخاص به». أما «وول ستريت جورنال»، فركّزت على «كلام الصين الفظّ لأوباما» عن السياسة الاقتصادية الأميركية و«الاضطراب» الذي عبّر عنه القياديون الصينيون بشأن «إضعاف أي خفوضات أميركية كبيرة في الموازنة للدولار، ممّا سيخفض بالتالي قيمة المقتنيات الصينية الكبيرة بالعملات الأجنبية».
يبدو التماثل القدري في هذه الشؤون كرواية مثيرة. الولايات المتحدة الأميركية التي كانت قوية جداً واستخدمت لعقود صندوق النقد الدولي لفرض رغبتها على السياسات المحلية للدول النامية حول العالم، فقدت شيئاً من قوتها بسبب تبذيرها وأصبحت في موقع تتسوّل فيه المعاناة من الصينيين البخلاء.
لكن أياماً قليلة قضيتها في شانغهاي (في رحلة مدعومة من منظمة التبادل الصينية ــــ الأميركية) أقنعتني بأنّ كلّ هذا هراء، وأنّ الصينيين يعرفون ذلك.
فقد قال لي رئيس معهد شانغهاي للدراسات الدولية يانغ جيمان إنّ هناك مثلاً صينياً قديماً يقول «إذا استدنت مئة دولار، فأنت مقترض؛ إذا استندت مليون دولار، فلست بمقترض». هناك نسخة إنكليزية من هذا المثل، وهي «إذا كنت تدين بـ100000 دولار يسيطر عليك البنك، عندما تدين بـ100 مليون دولار تسيطر أنت على البنك». يصف المثل عن حق علاقة أميركا مع الصين، التي تبقي بالدولار حوالى 70% من احتياطاتها الأجنبية البالغة 2.3 تريليون.
«الصينيون والأميركيون في القارب نفسه»، يقول يانغ الذي يشغل شقيقه يانغ جيشي منصب وزير الخارجية الصيني. ويضيف «يثق الصينيون بالأميركيين منذ فترة طويلة. نحن نعتبر أنّ الدولار بجودة الذهب. في اللغة الصينية، لا نقول دولاراً أميركياً بل نقول «مايجين»، أي ذهباً أميركياً».
بعدما جمعوا أكثر من تريليون دولار أميركي، لا يستطيع الصينيون المخاطرة بإحداث خفض كبير في سعر الدولار إذا حاولوا التخلص مما يملكون منه في السوق العالمية. هم يشبهون البطل في أفلام التشويق الذي يدوس على لغم أرضي ولا يستطيع الحركة خوفاً من تفجير نفسه. بالإضافة إلى ذلك، يبدو الصينيون مصممين، في الفترة القصيرة والمتوسطة الأمد على الأقل، على العمل من أجل رفع النمو عبر تصدير المنتجات والسلع إلى الولايات المتحدة (مع خفض قيمة عملتهم)، ممّا يعني أنّهم سيستمرون في تكديس الدولارات في المستقبل. بكلمات أخرى، هم عالقون معنا.
خلقت هذه الظروف سخطاً شعبياً في الصين. يقول وانغ إنّ الحكومة الصينية تتعرض للكثير من الضغوط من المواطنين. «لماذا نستمر في شراء هذه السندات؟» يسأل سونغ هونغبينغ، وهو شخصية سياسية شهيرة في الصين. ويقول إنّ الولايات المتحدة تخطط لخفض قيمة الدولار كثيراً لتسرق من الصينيين المليارات (الحل الذي يقترحه هو شراء الذهب).
إذا كانت المخاوف الصينية المحلية من الاعتماد المالي المتبادل مع الولايات المتحدة تفسر تصريحات بعض قيادييها، فإنّها لا تفسّر لماذا تصرّ بعض وسائل الإعلام الأميركية على عرض هذه القضية كثيراً.
برأيي الشخصي، إنّ الإجابة عن ذلك هي السياسة. يبدو واضحاً، وعلى نحو متزايد، أنّ الصين حلّت مكان سوق السندات كشبح ضبابي سيستخدمه صقور المال لتبرير التقشف المحلي. في التسعينيات، أقنع روبرت روبن وآخرون بيل كلينتون بأنّ العجز الذي ورثه يتطلب منه التخلي عن أي تطوير لدولة الرعاية، خوفاً من زيادة أسعار الفائدة، ما سيضر بالاقتصاد. جرى تشجيعه على تعديل الموازنة، وهذا ما فعله، ما أدى إلى مقولة المستشار السياسي جايمس كارفيل الساخرة: «كنت أؤمن بالتقمص، وكنت أريد أن أعود كرئيس جمهورية أو البابا أو لاعب بايسبول. لكني الآن أريد أن أعود كسوق سندات، فهي تستطيع أن ترهب أياً كان».
لا يزال لدينا سوق للسندات، لكنّ صقور المال لا يتكلمون عنها كثيراً هذه الأيام. ذلك أنّه رغم كلّ الاقتراض، لا تزال أسعار الفائدة منخفضة. عوضاً عن ذلك، حاول صقور المال الاستعانة بمصادر خارجية في تهويلهم من الصينيين، الذين يشار إليهم أحياناً بأنّهم «أكبر مقرضينا» رغم أنّ الصين تملك 22 في المئة فقط من الأوراق المالية الأميركية في الخارج (الأغلبية يملكها أميركيون في الداخل). في حزيران، فاخر النائب الجمهوري مارك كيرك خلال نقاش في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بأنّه خلال رحلة إلى الصين، أخبر المسؤولين هناك أنّه «يجب عدم تصديق أرقام الموازنة التي عرضتها الحكومة الأميركية، فالكونغرس في الحقيقة سيصرف بعض الأموال الإضافية، وإنّ برنامج الرعاية الصحية هو على الأرجح الدافع الأكبر وراء هذا الإنفاق الإضافي من جانب الكونغرس». هذه اللقطة الغريبة من الابتزاز الذاتي تبدو

فقدت أميركا شيئاً من قوتها بسبب تبذيرها وأصبحت في موقع تتسول فيه المعاناة من الصينيين
منطقية فقط إن عرفنا أنّ كيرك يأمل أنّه إذا خاف الصينيون، فسينتقل هذا الخوف إلى أميركا ويضرب برنامج أوباما المحلي.
في الحقيقة، فإنّ الخضوع لبلطجة كيرك ومحلل محطة CNBC لاري كودلو والسيناتور عن ولاية نيو هامبشاير جاد غريغ وبقية من أطلق عليهم عن حق اسم «تجمّع الأسى»، سيعمق البؤس الاقتصادي في أميركا وسيؤذي العلاقات الأميركية ــــ الصينية. «بعبارات قليلة، نحن قلقون من السياسات المحلية في الولايات المتحدة»، يقول الباحث في معهد الدراسات الاقتصادية المقارنة زا جاوغانغ، الذي يدرس العلاقات الأميركية ــــ الصينية. «يمكن أن نتوقع بقاء معدل البطالة الأميركي مرتفعاً، وسيسبب ذلك ضغوطاً سياسية محلية في أميركا»، من أجل تطبيق، ما يسميه زا، تدابير «حمائية».
صنعت النخبة في البلدين العلاقة الغريبة والمختلة التي تجمع أميركا والصين. علاقة تبقى دائماً معرّضة للتقويض بسبب ردود فعل شعبوية (لهذا تصرف مجموعات مثل منظمة التبادل الصينية ــــ الأميركية مالاً لإحضار صحافيين إلى الصين للترويج لـ«التعاون»). لكن ما هو في مصلحة ملايين الأميركيين ومئات الملايين من الصينيين الذين لم يكن لهم دور في تكوين الاعتماد الغريب لدولتيهم بعضهما على بعض، هو تعافٍ اقتصادي يشارك الجميع في فوائده.
* عن «ذا نايشن»: مجلة أسبوعية أميركية يسارية
ترجمة ديما شريف