Strong>إذا كانت اللجنة الفنية المشتركة بين وزارتي الصحة والتربية لم تتّخذ حتى الآن أيّ قرار بإقفال أي مدرسة على خلفية انتشار أنفلونزا «أيه أتش 1 أن 1»، لا بل بلوغه حسب وزير الصحة «الخط الأحمر»، وأنّها «ليست بهذا الوارد حالياً» كما تقول د. نينا اللحام، المنسقة العامة للصحة المدرسية في وزارة التربية، فمن المفيد معرفة إن كان النظام الوطني لمراقبة الوباء يسير على الأقل وفق خطّة الوزارتينيرن هاتف الدكتور فرنسوا صهيون في عيادته في زغرتا. يجيب الطبيب، فإذا بوالدة إحدى التلميذات تطلب منه تزويدها تقريراً طبياً لابنتها لأنها تغيّبت عن المدرسة مدّة يومين بسبب إصابتها بالرشح. يأتيها الرفض مباشرةً من الطبيب، بحجة «أنني لم أعالج الفتاة، وبالتالي لا أعلم شيئاً عن حالتها المرضية». تحاول الأم إقناعه، ولكنه يبقى مصرّاً على الرفض وينهي المكالمة. كان يمكن تلك الوالدة قبل شيوع فيروس أنفلونزا الخنازير، إقناع أحد الأطباء بكتابة تقريرٍ طبّي يشرح فيه أسباب غياب ابنتها عن المدرسة، من دون أن يكون قد عاينها. أما الآن، فلم يعد ذلك ممكناً، ويعود السبب إلى رفض الطبيب كتابة أي تقرير من دون معاينة المريض من جهة، للتأكد من أنه «رشح موسمي لا أنفلونزا خنازير»، وتشدُّد المدرسة لجهة إجبار التلميذ على إحضار التقرير من جهة أخرى، وإلّا فلا مجال للعودة إلى الصف. ولئن كان صهيون يعترف بأنه «في مثل هذه الأيام تكثر حالات الرشح والأنفلونزا الطبيعية، وليس كل رشح هو أنفلونزا الخنازير»، فإنّه لا يستطيع التجاوب مع أي طلب «ولو بالمَونة» إلا بعد معاينة المريض. من جهتها، تحاول إدارات المدارس قدر الإمكان إفهام الأهالي سبب إلحاحها على طلب التقرير. وفي هذا الإطار، تقول مديرة الدروس في معهد مار يوحنا للتعليم العالي في بلدة كرمسده بالكورة «صحيح أن معظم حالات الرشح طبيعية ولا تستدعي زيارة الطبيب، لكننا نجبر طلابنا على تقديم تقرير طبي في حال الغياب للسلامة فقط، ولأننا ملزمون بتقديم تقرير أسبوعي عن أسباب الغياب إلى وزارة التربية والتعليم العالي». لكن هذه ليست حال كل المناطق، فالمتغيّبون عن المدارس في منطقة باب التبانة في طرابلس مثلاً، لا يستطيعون إحضار التقارير الطبية لعدم قدرة أهاليهم على زيارة الأطباء ودفع التكاليف. ولا يبدو هنا أنّ إدارات المدارس الرسمية في هذه المنطقة تتشدّد كثيراً في هذه النقطة، فبعض الأهالي أشاروا إلى أنّ أولادهم يعاودون الدراسة من دون تقرير، شرط أن يتأكد المرشدون الصحيون من استقرار حالتهم الصحية، وزوال العوارض التي تسبّبت بغيابهم. لكن، تبدو في خلفية هذا «التساهل» أمور أخرى، ومنها بشكل رئيسي أن الخوف من الوباء ليس ملحوظاً فعلياً في المنطقة. «لا نخشى المرض فلدى أبناء المنطقة مناعة ضده»، يقول مازن عبوشي، أحد السكان، بلهجة ممزوجة بالسخرية، ليتساءل باستغراب: «هل الذين يشربون مياهاً ملوّثة، ويتنشقون هواءً غير نظيف، ويعيشون في منطقة تحتل مراتب متأخرة في طرابلس ولبنان لجهة تردي الوضعين البيئي والصحي فيها، سيتأثرون بهذا المرض؟».
وعلى الرغم من قرار الإقفال الذي اتخذته مدرستان رسميتان في طرابلس، ولجوء مدارس خاصة إلى إغلاق بعض الصفوف، يشير رئيس مجالس الأهل في الشمال، عبد الحميد عطية، إلى أن «التدابير المتّخذة في المدارس الرسمية في طرابلس والشمال تسير سيراً طبيعياً».
المتغيّبون عن المدارس في باب التبانة يعودون من دون تقارير طبية
هذا ما تؤكده أيضاً، د. نينا اللحام، المنسقة العامة للصحة المدرسية في مديرية الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية لـ«الأخبار». فالمدارس الرسمية في لبنان تلتزم أكثر من المدارس الخاصة بإرسال الجدول الأسبوعي الخاص بالغياب. معتبرةً «أنّ التغيّب هو مؤشر لتجاوب الأهل مع الخطة الوطنية لوزارتي التربية والصحة، والعكس هو المقلق»، لأنّ ما تخشاه الوزارتان، كما تقول اللحام «ليس العدوى بل إمكان تعرض الأطفال للمضاعفات إذا لم يلتزم الأهل بالإرشادات الوقائية». فمن غير المقبول مثلاً إصرار الأهل على إرسال أولادهم إلى المدارس بعد إعطائهم «البنادول» الذي يخفض الحرارة. ورغم ذلك، فما يحصل حالياً أنّ المرشد والهيئة التعليمية يلتزمان بمراقبة التلامذة، ويعزلان كل تلميذ تظهر عليه الحرارة والعوارض الملازمة للأنفلونزا حتى قبل الاتصال بالأهل. ماذا عن المتابعة مع الأهل؟ تجيب اللحام: «سينفّذ فريق الإرشاد والتوجيه بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية نحو 100 لقاء مع الأهالي ليطلعوهم على آخر التقارير بشأن المرض، ولنقول لهم ماذا ننتظر منهم وإلى متى، بمعنى أن الوقاية لن تتوقف في مهلة زمنية محددة. كذلك يجري التواصل حالياً مع طبابة القضاء عند ملاحظة بعض العوارض. لكن ماذا عن مقولة «طبيب لكل مدرسة»؟ تجيب اللحام: «هذا الشعار بدأنا نطبّقه من خلال الكشف الطبي الوقائي، إذ يحضر الأطباء مرة في السنة إلى كل المدارس الرسمية، ويُجرون كل الفحوص اللازمة، لكن هذا الأمر تأخّر هذه السنة بسبب انشغالنا بمتابعة أنفلونزا أيه أتش 1 أن 1، ومن المنتظر أن يحصل الكشف في الأسبوع الأول من كانون الأول»!. وفيما ترى اللحام أهمية تطوير النظام الصحي في المدارس، تنفي أن تكون هناك حاجة إلى أن يكون الطبيب مرابطاً في المدرسة على مدار الساعة. أما وزارة الصحة، فتواصل طمأنتها للمواطنين. إذ جدّدت في بيان أصدرته أمس أنّ التحاليل والإحصاءات تظهر أنّ الفيروس أصبح جزءاً من الكريب الموسمي، الذي يصيب عدداً من المواطنين في مثل هذه الأيام من كل عام، وقد بلغ العدد التراكمي للوفيات الذين أُثبتت إصابتهم بالمرض خمسة أشخاص.
كذلك فإنّ وتيرة تفشي الوباء بقيت، بحسب البيان، ضمن إمكانات استيعاب النظام الصحي، رغم ارتفاع حالات الإصابة بذات الرئة، التي تغطيها الوزارة في المستشفيات إلى 400 حالة أسبوعياً مقارنةً بـ200 حالة في الأسبوع العام الماضي في مثل هذا التاريخ. كما أنّ الوباء لم يؤثّر في حسن سير العام الدراسي، رغم ازدياد نسب الغياب من 3 إلى حوالى 6%». وطالبت الوزارة بأن «تحصر تحاليل «بي سي آر» بالعيّنات التي تأخذها أجهزة الوزارة للترصد الوبائي، وبالحالات داخل المستشفيات». كما دعا البيان إلى المباشرة بالعلاج فوراً للنساء الحوامل والمصابين بأمراض مزمنة والعاملين الصحيين.
(شارك في التحقيق: عبد الكافي الصمد -
فريد بوفرنسيس - فاتن الحاج)