عصام نعمة إسماعيلإذا كان الوزير في الإدارات العامة هو الرئيس التسلسلي لجميع الموظفين في أي فئة كانوا، وتمنحه هذه السلطة الرئاسية صلاحية إصدار الأوامر وفرض العقوبات، وبالمقابل تلزم كل الموظفين بالطاعة والخضوع، فإن مصدر هذه السلطة هو الدستور وتحديداً تحديداً المادة 66 منه التي تنص على أن يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين، كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به.
واستناداً إلى هذا النص، فإن هذه السلطة ليست مطلقة بل هي سلطة تطبيقية للقانون، ومقيَّدة به، وفي الإدارات العامة المدنية هي سلطة مقيدة بنظام الموظفين وبقوانين الوزارة، فمثلاً لا يستطيع الوزير أن يفرض أي عقوبة على المدير العام ما لم يقترح هذه العقوبة المدير العام بذاته أو رئيس هيئة التفتيش المركزي (الفقرة 4 من المادة 56 من نظام الموظفين).
وفي ما خصّ وزارة الدفاع، فإن سلطة الوزير تجاه مؤسسة الجيش وقائد الجيش تحديداً هي سلطة محددة أصولها في قانون الدفاع الوطني.
وأول ما يلفت في هذا القانون أن الجيش موضوع، ليس بتصرف وزير الدفاع، بل بتصرف رئيس الجمهورية الذي يمارس عليه صلاحياته وفقاً للأحكام المنصوص عنها في الدستور والقوانين النافذة، ولا سيما المادتين 6 و7 من قانون الدفاع الوطني (المادة 5).
أما سلطة وزير الدفاع فهي سلطة على المؤسسات التابعة للوزارة، حيث ورد في المادة 15 من قانون الدفاع الوطني: «تخضع وزارة الدفاع الوطني بجميع مؤسساتها لسلطة وزير الدفاع الوطني وهو مسؤول عن تنفيذ جميع مهماتها». وهذا النص هو نص عام جاء تطبيقاً للمادة 66 من الدستور، وهدفه هو تبيان الوزارة التي ترتبط بها الإدارات. ولا يمكن أن نستوحي منه السلطة الرئاسية لوزير الدفاع على العسكريين، لا سيما القادة، المنتمين إلى مؤسسة الجيش اللبناني، والدليل على ذلك نستخلصه قياساً من طبيعة العلاقة بين وزير العدل والسلطة القضائية، فإذا راجعنا قوانين تنظيم السلطة القضائية نقرأ بصريح العبارة خضوع قضاة النيابة العامة لسلطة وزير العدل (المادة 45 من قانون تنظيم السلطة القضائية)، كما أن مجلس شورى الدولة هو جزء من تنظيمات وزارة العدل القضائية، فهل هذه السلطة التي يملكها وزير العدل على القضاء والقضاة، تدفع للقول إن وزير العدل هو الرئيس التسلسلي للقضاة؟
الجواب بالنفي حتماً، ودليلنا الإضافي في المادة 19 من قانون الدفاع الوطني التي تنص بصراحة قاطعة لأي شكٍ بأن قائد الجيش يرتبط مباشرة بوزير الدفاع الوطني.
وفي علم القانون فإن الارتباط هو غير التبعية، ويستخدم مصطلح «يرتبط» للدلالة على العلاقة بين الوزير والمؤسسات العامة والبلديات، وهي غالباً رابطة وصائية وليست رابطة تسلسلية أمرية (نقرأ في المادة 3 من المرسوم 4517/72: «يتضمن نص إنشاء المؤسسة العامة ... ربطها حسب طبيعة أعمالها بإحدى الوزارات التي تمارس الوصاية الإدراية عليها). ونجد استخدام هذا المصطلح أيضاً في العلاقة بين الوزارة والجهات القضائية، فمثلاً ترتبط المحاكم العسكرية بوزير الدفاع الوطني (المادة الأولى من قانون القضاء العسكري الرقم 24/1968)، ديوان المحاسبة محكمة إدارية تتولى القضاء المالي، يرتبط إدارياً برئيس مجلس الوزراء (المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي الرقم 82 /1983..).
وعندما يستخدم المشترع عبارة «يرتبط»، فإنه حكماً لا يقصد الخضوع التسلسلي، وفي قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي خير دليل على ذلك، لأن المشترع استخدم المصطلحين ليبيِّن بأن لكل منهما مدلولاً قانونياً يختلف عن الآخر، فجاء في المادة 9 من هذا القانون: يتولى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مدير عام يرتبط مباشرة بوزير الداخلية، ثمّ في المادة العاشرة: يخضع المدير العام لقوى الأمن الداخلي لسلطة وزير الداخلية.
إذاً فالعلاقة بين وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، هي علاقة تسلسلية، بينما العلاقة بين قائد الجيش ووزير الدفاع، هي علاقة من نوع خاص، لا تجعل من قائد الجيش مرؤوساً لوزير الدفاع، ولا تعطي وزير الدفاع أي سلطة رئاسية مباشرة على قائد الجيش، إنها علاقة محكومة بالقانون والمنطق وخصوصية المؤسسة العسكرية وارتباطها بالمجلس الأعلى للدفاع، كل ذلك يفرض ألا تكون خاضعة بصفة أمرية للسلطة السياسية. ولا يملك تبعاً لذلك الوزير توجيه أوامر لقائد الجيش ولا حتى بفرض عقوبة عليه، لأن مثل هذا الوضع يحتاج إلى نص خاص وصريح، وهذا النص منتفٍ من قانون الدفاع الوطني.

* أستاذ القانون الدستوري ــــ الجامعة اللبنانية