فيما يبتدع تجار المخدرات وسائل سينمائية لتهريب بضاعتهم، تؤكد القوى الأمنية أن الحرب معهم لم تتوقف يوماً. أخيراً، اشتد وطيس المعركة ضد المخدرات، وخصوصاً بعد تفاقم انتشارها على مستوى حبوب الهلوسة
محمد محسن
لبنان مريض بالمخدرات. تتعاون أجهزته الأمنية وأحزابه ومجتمعه لمحاربة هذا المرض، فيتم القبض على ملايين الحبوب وأكياس البودرة. ويظل لبنان مريضاً. هكذا، يبدو حتى الآن أن كميات المخدرات التي ضبطت خلال تصاعد الحملة الأمنية الأخيرة، هي أقل بكثير من الحبوب والبودرة التي تختبئ في المخازن السرية للتجار.
لا تحسبوا أن المخازن غرف ضخمة. ببساطة، قد تكون مكانس كهربائية أو براداتٍ صغيرة أو... ملابس داخلية ترتديها فتاة أينما ذهبت، فيصعب على الأمنيين ضبط ما تحويه حمّالة صدرها، وخصوصاً إذا كانت تتجول في شارعٍ عام.
أخيراً، اشتد عود الحملة على المخدرات، وخصوصاً بعد رفع الغطاء السياسي والديني عن الموضوع بوضوح، عبر الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي يدرك المتابعون أنه لم يكن يغطي هذه التجارة أصلاً، لكنّه عبر خطابه، منع الاختباء حول عناوين الدين والمقاومة لتسميم المجتمع.
ولم تكن وتيرة الحملة لتبلغ درجة الغليان، لولا غليان آخر، بلغه معدّل انتشار المخدرات بكل أشكالها. الحديث عن وصول حبوب المخدرات إلى غرف المنازل ليس تهويلاً. فبحسب متابعين لهذا الملف، حصل تحول نوعي ضمن نطاقين: المواد المخدّرة ونوعية المتعاطين. نجحت حبوب الكبتاغون و«الإكستازي»، ربما لسهولة إخفائها وتوزيعها، بتغيير نوعية الطبقة التي تتعاطى المواد المخدرة. فبعدما كان المتعاطون «محسوبين» على سكّان الزواريب والهاربين من الظروف الاجتماعية الصعبة، نجح التجار في توسيع سوق عملهم وضمّ جميع الشرائح إلى لوائح زبائنهم. كيف لا؟ ولم يعد خافياً، انتشار الحبوب المهدّئة والمنشطة في الجامعات والنوادي الليلية والمصارف وحتى المدارس. في المحصلة، يضع مسؤول أمني إصبعه على الجرح: اللبنانيون يقبلون على شراء الحبوب المخدّرة، كما تهجم طيور الحدائق العامة على حبوب الكرسن التي تقتات بها. لكن هذا الإقبال يتطلب مجهوداً وخطط تخفٍّ وتمويه يرتكز عليها عمل المروجين والمتعاطين. وفي المقابل، تبذل الشرطة، وخصوصاً «مكتب مكافحة المخدرات» جهداً مضاعفاً للإيقاع بهم، لا يبدأ بخرق شبكاتهم عبر المخبرين، ولا ينتهي عند استثمار أي معلومةٍ تصل إلى المكتب من مصادر مختلفة. في المداهمات التي تجري للقبض على تجار المخدرات، لا تحتاج الشرطة إلى جرمٍ مشهود للقبض عليهم، بل يمكن أدلة أخرى أن تثبت عليهم هذه التهمة مثل رصد اتصالات مباشرة بين التاجر وأحد زبائنه. لكن، رغم ملاحقتهم القضائية، لا يزال التجار يعتمدون على الوضع السياسي، والقانون اللبناني في عملهم. فهم، كما قال أحدهم لـ«الأخبار» إمّا يتكلون على عفوٍ عام عن جرائم المخدرات كالذي صدر في عام 1997 (قانون رقم 666). ومن لا يؤمن بالعفو السياسي، يتّكل على إدغام العقوبات خلال إصدار الأحكام. فمخطئ من يظن أن التهم في سجلات تجار المخدرات تقتصر على الإتجار ببعض الحبوب أو «كم غرام بودرة». فحيازة السلاح والأموال المزورة هي تهم غالباً ما تصطف إلى جانب المخدرات. هكذا، يحكم القضاء بالعقوبة الأشدّ، ولا يضيف إليها عقوبة الجرائم السابقة، وهو «ما يشجّعنا على إعادة البيع مجدداً» كما يقول أحد التجار، ويشير إلى أن التشدد في القوانين، ربما يخيف البعض فيمتنعون «أما إذا بقيت الأحكام تصدر بنفس الطريقة، فالوضع تمام».
نجح تجار الحبوب المخدرة في توسيع سوق عملهم وضمّ جميع الشرائح إلى لوائح زبائنهم
يؤكد شرطي شارك في المداهمات الأخيرة ضد تجار المخدرات، أن إطلاق النار لا يصدر عن كل المستهدفين. تحدث غالبية المواجهات بين العناصر الأمنيين وتجارٍ «في ذمّتهم» مذكرات توقيف كثيرة. تسبق هذه المداهمات، مناورات وعمليات تمويه يقوم بها التجار لإخفاء عملهم. مثلاً، يغيرون مكان تسليم «البضاعة» مرات عديدة في معدل زمني صغير. لا يستعملون أرقام الهواتف ذاتها في كل عملية. يرسلون في بعض الأحيان موزعين جدداً لا يحملون أي نوع من المخدرات، للتأكد ممن ينتظرهم في مكان التسلّم والتسليم «هل هو فعلاً زبون، أم من جماعة الدولة؟» كما ينقل التاجر ذاته. أما الأمنيون، فقد اعتادوا هذه الطرق، وبات الكشف عن التجار يرتكز على المتعاطين والمخبرين، الذين يسمّون التاجر ورقم هاتفه وعنوانه، فيتم إحضاره وعرضه على المقبوض عليهم، حيث يعرضون أدلة تثبت تورطه في الإتجار.
منذ فترة ليست بعيدة، وضع مكتب مكافحة المخدرات يده على مصنعين بوسائل بدائية وتقليدية لحبوب «الكبتاغون». كذلك في الشهور الماضية، ضبط المكتب أعداداً تجاوزت الملايين من الحبوب، التي ينتشر استعمالها في الآونة الأخيرة بين طلاب الجامعات والشباب عموماً، وفي المرابع الليلية حيث يسهل توزيع الحبوب وبيعها. وفيما يشير أحد الأمنيين إلى نوعٍ جديد من المخدرات، يوضع في الفم أو يلصق على الجلد ويتشابه مع الطوابع البريدية «مفعوله أقوى من الإكستازي والكبتاغون» ويسمى LSD، يروي قصةً طريفة، أبطالها تجار مخدرات. فبعد اتفاقهم عبر وسيط، مع أحد التجار على صفقة حبوب وبودرة، انتحلوا صفة عناصر من الاستقصاء، وأوقفوا التاجر أثناء ذهابه لتسليم الصفقة. قبضوا عليه بالجرم المشهود، وحققوا معه وصوّروا وقائع التحقيق، قبل أن «يصادروا» شحنة المخدرات والأموال لمصلحتهم. ولم تعرف هذه القصة إلا بعد إلقاء القبض عليهم وتفتيش مقتنياتهم.
وفيما يؤكد مصدر متابع أن لكشف عمليات التهريب دوراً أساسياً في الحد من الإتجار بالمخدرات، يشير إلى استعمال المهربين أساليب بالغة الدقة والغرابة، في التهريب عبر المعابر البرية والبحرية. إليكم بعضها: حشو المواد المخدرة في بطون الحيوانات المستوردة، تمرير المخدرات ضمن عبوات مواد غذائية وبكثافةٍ تمنع كشفها عبر أجهزة الأشعة، إضافةً إلى مزجها مع بعض المواد التي تمنع رائحتها عن الكلاب المدربة على كشف المخدرات. وقد وصل الأمر ببعض التجار إلى تمرير المخدرات عبر أطفالهم الصغار، ولم يتوان بعضهم عن تمرير المخدرات داخل صفحات الكتب المقدسة!
من جانبه، يشير مدير مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي إلى أن التنسيق جارٍ على كل المستويات لمحاربة المخدرات، وأن لا غطاء سياسياً فوق أي تاجر مهما علا شأنه. أما عن الرؤوس الكبار في عمليات الترويج، فيؤكد أن «المكتب يضرب الآن بشكلٍ موضعي ضمن جميع الإمكانات المتاحة». ويؤكد مشموشي توافر المؤازرة من القطعات الأمنية الأخرى. لكن مكافحة المخدرات تحتاج إلى «استراتيجية وطنية شاملة، تلحظ دور جميع الوزارات وخصوصاً على مستويات الصحة والزراعة والإعلام والشؤون الاجتماعية».


المضبوطات