صيدا ـ خالد الغربيللعيد في صيدا طعم لا مثيل له في أيّ مدينة أخرى. ففي العيد، تشهد المدينة إقبالاً استثنائياً، وخصوصاً من الأطفال الذين يتهافتون على «الدوّيخات»، أي تلك المراجيح الدائرية، أو العادية لممارسة «الزنزقة»، كما يطوفون ببسطات الأسلحة البلاستيكية التي تنتشر استثنائياً كالفطر للمناسبة. محمود الحاج، أو كما يعرّف عن نفسه بـ«المدير المسؤول عن إدارة دوّيخة البلد» يقدر على شرح سبب تمييز منطقة بحر العيد عن غيرها في مثل هذه الأيام. فهو الذي قضى أمس وأول من أمس واقفاً أمام دوّيخته في منطقة بحر العيد «بنزّل ركاب وبطلّع ركاب». لم يتعب الحاج من «برمها»، وفي كل مرة «ببرمها 30 برمة». ويسألنا «بتعرف ليش يا استاذ 30 برمة؟». وقبل أن نجيب، يجيب «على قد عدد الوزرا»، ثم يبتسم «للطشته». يتركنا، ويعود إلى الغناء مع الأطفال «هيلا هوب هيلا هوب والبلد كله..»، فيجيبه الأطفال «دوّيخة، دوّيخة دوّيخة». يقضي الأطفال يومهم في دوّيخة الحاج، ومن يتعب من «الدوخان»، يهرع إلى السوق لشراء اللُّعَب، وخصوصاً البنادق البلاستيكية، التي تشهد رواجاً كبيراً. قبالة «دوّيخة البلد»، وقف المصري محمد طلبة السيد يراقص مهرته «زينة»، وهي واحدة من عدة خيول وضعها أصحابها قبالة ميناء الصيادين لتأجيرها. على عكس الدوّيخة، راكبو الخيل ليسوا فقط من الأطفال، إذ إنها تجذب الشباب أيضاً، وخصوصاً الصبايا.. والسيّاح الأجانب أيضاً، الذين ركبوا الخيل وتأرجحوا وأكلوا «الفلافل» بنهم. وهنا، تقول الفرنسية جولييتا بلكنة عربية ركيكة «مذاقها رائع». ثم تسأل «حمص صحيح؟»، فيجيبها صاحب المحل بالنفي، ويعرّفها على الحمص.
لن يجد الأجانب «أطيب من فلافل منطقة بحر العيد»، يقول صاحب المحل. ولكن، هل ستبقى هذه المنطقة على ما هي عليه؟ لا يظن المواطن الصيداوي حسن جرادي ذلك، فالرجل الذي يصف زيارته لها بـ«الزيارة الوداعية» يقول «إن العام المقبل ستُقتطع المساحة الباقية من بحر العيد لأعمال تحديث الواجهة البحرية، وبذلك سيصبح بحر العيد أثراً بعد عين». ويقول بحدّة «كان بحر العيد أحد طقوس المدينة، وهو مطبوع في ذاكرة الصيداويين، لكننا نفتقده اليوم تحت عنوان الحداثة»، متسائلاً "لماذا يمحون ذاكرتنا وتاريخنا؟». وبحر العيد في صيدا كان يمتدّ سابقاً على مساحة واسعة من واجهة المسجد العمري مروراً بمنطقة الميناء وصولاً إلى القلعة البحرية، واستقر اليوم على مجرد زاوية صغيرة لا تتّسع إلّا لبعض المراجيح.