كان لارتفاع وتيرة تسجيل الطلاب في مدارس البقاع ومعاهده المهنية على إيجابيته تأثيرات جانبية لناحية إثارة مشاكل «عمرها من عمر» القطاع المهني، وباتت تمثّل عائقاً بوجه مديري المدارس الفنية، وفي مقدمها افتتاح المهنيات بطريقة غير مدروسة في ظل غياب لتجهيزات معاملها التطبيقية، وصولاً إلى التعاقد الذي يشبّهه المتعاقدون بـ«زواج المتعة»
البقاع ــ رامح حمية
كموسم من الأزهار، بدأت تتفتّح الواحدة بعد الأخرى في هذه المنطقة التي كانت تعاني قحطاً تربوياً لجهة عدد المدارس الفنية. لكن هذه المدارس، تحولت بسبب عشوائية افتتاحها، بغضّ النظر عن قدر الحاجة إليها، إلى نوع من الفطر تكاثر في السنوات الخمس الأخيرة في قرى وبلدات بعلبك ـــــ الهرمل، وآخرها مدرسة القاع الفنية، ليصبح عدد المهنيات 11 مهنية، 3 منها مشاريع مشتركة بين الدولة ومؤسسات حزبية ومحلية. إلا أن ما يجمع بين هذه المدارس هو... غياب التخصص عنها جميعاً، وندرة المصانع وتجهيزاتها، ما يسمح بشرذمة طلاب البقاع وتضاؤلهم، واعتبار أصحاب الخبرة ما يحصل هدراً لمال الدولة لجهة كلفة كل تلميذ، مقارنة بالمهنيات الخاصة. أحد أساتذة التعليم المهني هنا، (رفض ذكر اسمه لكونه موظفاً حكومياً)، شرح لـ«الأخبار» المشاكل الكثيرة التي تواجه التعليم المهني في البقاع، فأكد أن «المشكلة الأساس تكمن في افتتاح مدارس ومعاهد في بعلبك ـــــ الهرمل بطريقة تحتاج إلى التنظيم، فقد افتتحت 11 مهنية، تفتقر جميعها إلى التخصص في مجال محدد، بدلاً من أن يستكمل بعضها بعضاً. خذ مثلاً طلاب الديكور، فهم منتشرون بأعداد لا تتجاوز 3 طلاب في كل مهنية، ولهم كادر تعليمي كامل»، إضافة إلى أن معظم هذه المهنيات المرتكزة على التطبيقي، لا النظري، «تعاني ندرة في التجهيزات والآلات التي تسمح للطالب صاحب الاختصاص بأن ينهي تمارينه المطلوبة من قبل المديرية»، ويضيف «فطالب البكالوريا الفنية ـــــ سنة ثانية اختصاص كهرباء لا يجد تجهيزات تقريباً في غالبية مهنيات المنطقة، فطلابنا في اختصاص ميكانيك السيارات مثلاً ما زالوا يدرسون على الكاربيراتور، فيما المطلوب دراسة البخاخات! والأطرف أن الوزارة، بدلاً من مساعدة المهنيات بهذه النقطة، عمدت إلى زيادة رسوم التسجيل».
أستاذ مهني آخر لفت إلى «التدخلات السياسية التي تحصل عند كل تعيين»، مشيراً إلى «عدم تطلب الكفاءة والشهادات العلمية عند تعيين الكادر الإداري، بل الولاء السياسي»، مؤكداً تعيين أستاذ فيزياء مديراً لإحدى المهنيات، ورئيس دروس تطبيقية من الفئة الخامسة (نجار)، فيما المطلوب أن يكون من الفئة الثالثة. ويرى الأستاذ نفسه «أن ثمة مشكلة مهمة لا بد لمديرية التعليم المهني من أن تنظر إليها باهتمام، وهي مساواة التعليم المهني بالأكاديمي لناحية مستوى الشهادة وإيجاد حل للذين أنهوا البكالوريا الفنية وتسوية أمور دخولهم إلى الجامعة».
من جهته، لم ينف مدير إحدى المدارس الفنية هنا وجود هذه المشاكل، ويضيف إليها المنهجية التعليمية القديمة التي ما زالت سائدة، على الرغم من بعض التعديلات الصغيرة التي طالتها، كما أن مشكلة عدم وجود كتاب موحّد «يمثّل عائقاً كبيراً أمام تقدم القطاع برمّته»، مؤكداً تعيين لجان تحافظ على «الستة والستة مكرر، وهدفها الأساسي المردود المالي. وأبرز دليل أننا لم نحصل حتى اليوم على كتاب موحّد في لبنان». وركز المدير على خطورة استمرار «التعاقد في التعليم المهني، فالهيئة التعليمية لا تخضع لأي امتحان أو تدريب، و95% من هؤلاء متعاقدون بطريقة عشوائية، لا يعلمون شيئاً عن طرائق التدريس وكيفية إيصال المعلومة إلى الطلاب»، والمطلوب بحسب مدير المدرسة الفنية تحديد الهدف من التعليم المهني، وربطه بسوق العمل «فتخريج 2400 ممرضة، فيما نحتاج إلى 500 فقط يدلل على الفوضى الخطيرة التي ستؤدي الى تضخم البطالة».
أما متعاقدو التعليم المهني، فيرون أنهم يتعرضون كل عام لـ«معاناة حقيقية»، تبدأ مع كل عام دراسي ويتخللها صولات وجولات للحفاظ على ساعات التعاقد. «حسن» (اسم مستعار) متعاقد منذ سنتين، لم يجد تشبيهاً لشؤون التعاقد المهني وشجونه أفضل من «زواج المتعة ـــــ المؤقت»، لأن المتعاقد «لا يعرف نفسه إذا كان معلقاً أو مطلقاً»، ويفرض عليه قبل بدء كل عام دراسي أن يسعى إلى التواصل مع المهنية التي يدرّس فيها، وذلك بهدف تأكيد بقاء ساعاته أو حتى زيادتها، «فيتم دائماً ربط المسألة بتسجيل الطلاب وأعدادهم، وبإمكان فتح اختصاصات جديدة أو إلغائها، وقد تصل الأمور إلى حد تفتيش الأستاذ وزملائه في الاختصاص عن طلاب ليتسجلوا، فيما لو كان عددهم قليلاً، فنلجأ إلى تقاسم رسم تسجيل عدد من الطلاب حتى العدد المطلوب لفتح الصف»!! بدوره «أحمد» متعاقد منذ أكثر من عشر سنوات يسأل: «أما آن الأوان بعد للتفكير بتثبيتنا أسوة بأساتذة التعليم الأكاديمي؟»، ويقول: «نحن ننتظر أجور ساعاتنا أكثر من سنة، وخاصة أن العادة درجت في السنوات الأخيرة على دفع مستحقاتنا في شهر تشرين الثاني».
المدير العام للتعليم المهني والتقني أحمد دياب، في اتصال مع «الأخبار»، نفى وجود تدخلات سياسية بشؤون التعيين، موضحاً أن عدد المهنيات في منطقة بعلبك ـــــ الهرمل «ليس بالكبير»، وأن افتتاحها يتم بحسب الاختصاصات «فإذا كان لديهم اختصاص صناعي ومتوافر فيها المصنع فما المانع من فتح أبوابها أمام الطلاب؟». واعترف دياب بأن «ثمة نقصاً في تجهيزات بعض المهنيات لجهة المعامل داخلها، بانتظار تأمين بعض الاعتمادات المالية»، متسائلاً عن عدم توجيه أي مدير مهنية كتاباً يذكر فيه متطلبات مصنعه ومعمله. كما أكد أن «المديرية تسعى بجهد كبير إلى حل مشكلة الكتاب الموحّد على كل الأراضي اللبنانية، فضلاً عن مشروع إعادة تسمية الشهادات لفتح المسارات أمام الشهادات العالية TS _ LT وذلك بهدف تأمين الطالب المهني المعزول عن غيره، حيث يجب وضع مراسيم تنظيمية لحل هذه المسألة». أما في ما يتعلق بمتعاقدي التعليم المهني فقد أكد دياب أن الأمر بحاجة إلى قانون في مجلس النواب بشأن المباراة المحصورة، أما المباراة المفتوحة فتحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، وفي كلتا الحالتين ليس للمديرية أي سلطة في ذلك.


مشاريع مهنيات مشتركة

المهنيات المشتركة بين الدولة والمؤسسات الحزبية والمحلية هي: مدرسة الهرمل النموذجية، مشروع مشترك بين الدولة وسعدون حمادة، معهد الشيخ محمد يعقوب التقني، مشروع مشترك بين الدولة ومؤسسات أمل التربوية، معهد الأبرار الفني ـــــ بعلبك، بين الدولة وجبهة العمل الإسلامي.