أحمد محسنبدا المتجمّعون خلف العوائق الحديدية أمس، كأنهم في قفص صغير، أسفل المقر العملاق للأمم المتحدة «الإسكوا». احتُجزوا خلف السواتر المطلّة على المقر، بعدما لبّوا دعوة اللقاء اليساري التشاوري إلى المشاركة في التجمع الوطني ــــ الشعبي دعماً لنضال الشعب الفلسطيني، من أجل حقوقة الوطنية المشروعة في العودة، لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. ركّز المتجمّعون الذين لم يتجاوزوا العشرات، على تمسّكهم بالقرار الدولي 194 لعام 1948، وبحق تقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. لكن هذه الشعارات، لم تجد عدداً كافياً من محبّذيها أمس. هكذا، كان الحشد ضئيلاً، لدرجة أن المتجمّعين استطاعوا أن يتكتّلوا كلهم في فيء مبنى الإسكوا، الذي ألقى بظلاله وحماهم، على الأقل، من قسوة الشمس قليلاً.
انسحب المشهد الفلسطيني العام على صورة المحتشدين، الذين أحاطت بهم بنادق أكثر عدداً من الأعلام التي رفعوها. هكذا، استحوذت الألوان العسكرية على العين، قبل اللافتات والشعارات المرفوعة، ملقيةً بثقل عسكري على المكان. وفيما تشابَه المعتصمون في وجوههم المتعَبة، كان التعدّد في صف رجال الأمن، ربما لكثرة عددهم واختلاف أجهزتهم: جاءت وحدة من القوى السيارة في قوى الأمن الداخلي، ودورية لفوج التدخل الثاني في الجيش اللبناني، إضافةً إلى عناصر من شرطة بيروت. هكذا، نفّذ رجال الأمن مهماتهم بامتياز: الفهود يحرسون الحديقة، رجال من وحدة شرطة بيروت يزيلون العوائق الحديدية بين الحين والآخر، إفساحاً في المجال لأحد المارّة بالعبور. سيطر الجيش على الطرق المؤدّية إلى المكان. لكن رغم هذه الكثافة الأمنية، كانت العلاقة ودودة جداً بين حاملي الرايات وحاملي الرشّاشات الآلية.
وسط الضجيج المتواضع وانشغال الموجودين بنقاشات جانبية، تمحور معظمها حول الحقوق المدنية للفلسطينيّين في لبنان، كان أحد رجال الأمن يصرخ: «أهم شي ما يعجق السير»، مبعداً الشرطيّين الآخرين بيديه.

لم يخلُ الأمر من سيّاح خليجيّين توقّفوا لرؤية المشهد غير المألوف
وبما أننا في بلد السياحة، لم يخلُ الأمر من بضعة سيّاح خليجيين توقّفوا لرؤية المشهد غير المألوف، مرسلين ابتسامات للمتجمّعين بعد تسلّمهم منشورات شرحت أهداف التجمع. وما هي إلّا دقائق، حتى ألقى الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، خالد حدادة، كلمة اقتصرت على المذكّرة التي سُلّمت إلى الإسكوا بهدف نقلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وتضمّنت المذكرة مجموعة مطالب تبدأ بحق الفلسطينيين في العمل، وضرورة إنصاف العامل الفلسطيني، واستثناء اللاجئين من شرطَي المعاملة بالمثل وإجازة العمل. وأشارت المذكّرة إلى ضرورة تعديل قانون الملكية العقارية، والسماح للفلسطينيين بامتلاك مسكن، كما دعت الحكومة اللبنانية إلى لفتة إنسانية تجاه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية، التي يعيشها الشعب الفلسطيني في المخيمات، إضافةً إلى ما يمكن أن تقدّمه الوزارات والبلديات والمؤسسات المعنية من خدمات. ولم يفُت اللقاء التذكير بوجوب إنهاء الملف المأسويّ لمخيم نهر البارد، بإعماره وعودة نازحيه إليه، مشتكين من البطء في الإعمار.