إكرام الشاعرلحقائب السفر في كل منزل لبناني مقام. وكالشموع في المعبد، لا بد منها في طقوس الهرب من الغضب. إنها بكل بساطة آثار أقدام المتسلّلين خلسة إلى بلاد الأمل والرجاء، الذين اعتادوا أن يخلعوا أحذيتهم عند عتبة الريح، ويعلّقوا معاطفهم على مشاجب الهواء. سلوها تحكِ لكم كم دمعة جفّت عليها، وكيف جلس عليها المنتظرون في المطارات والمحطات. كيف دندنت عجلاتها الصغيرة أُغنيات فيروز، وكم تشبّثت بمسكاتها أنصاف أصابع المسافرين، بينما بقي النصف الآخر في أيدي الأحبّة يضفر جديلة الوداع. وللحقائب الوزارية في النشرات الإخبارية وعلى المنابر وصفحات الجرائد المقام ذاته. ولا يخفى على أحد أنها من أهم ما نستورده من الخارج، من عواصم القرار شرقًا وغرباً. فهي الواردات الأجنبية التي تجعل ميزان القرار الوطني في عجز دائم، وميزان التوافق خاسراً. هي حقائب فخمة، مختلفة الأحجام والأشكال والألوان، لكن ما يجمعها هو أنها مصنوعة من جلد المواطن اللبناني. منها السيادي ومنها الخدماتي، لكنها تتميز بموديل موحّد تكثر فيه ثقوب الهدر والفساد، وهي الصيحة الأبدية في بلدان العالم الثالث، التي تغيب فيها المساءلة والمحاسبة. فلمن يعرف لبنان، وطن النجوم، بلد الأرز، لا تتجاهل أنه وطن الأساطيل التي قهرت الدهر بهياكلها المصنوعة من خشب الأرز، نجومه مفاتيح خريطة، بيوته تختصر بالحقائب، ودولته تختصر بالحقائب وبحصّالات النقود، فيا ترى «ما الفرق بين السفن والأوطان»، كما قال الشاعر نزار قباني؟