ينشغل أهالي القرى في مثل هذا الوقت بتحضير أكثر من 20 صنفاً من المؤونة البيتية استعداداً للشتاء. هذا الأسبوع وخلال الأسابيع التالية، تفرد صفحة «بدائل» مساحتها للإضاءة على هذه التحضيرات في مختلف المناطق
حاصبيا ــ عساف أبو رحال
كيفما اتجهت داخل هذه القرية أو تلك في الجنوب، تشدك حركة نشطة للنساء، إما على سطوح المنازل أو في الباحات الخارجية الفسيحة التي تمثّل معرضاً، يضم الكشك والبرغل والتين المجفف ورب البندورة واللبنة وأنواع المكدوس. هناك سطح يخضع لعملية تنظيف تمهيداً لفلش القمح المسلوق، ومواطن يحرك البرغل تحت أشعة الشمس ليجف قبل جرشه وتعريبه بحسب النوع، وتلك سيدة تحرك دبس البندورة في قدر من الفخار، وأخريات اجتمعن للتعاون على تحضير اللبنة البلدية ووضعها في أوان زجاجية، فيما رائحة «القورما» تنتشر في كل زوايا المنزل. إنه نشاط موسمي لإعداد ما أمكن من الأصناف والمأكولات الطبيعية الخالية من المركبات والمواد الكيماوية الحافظة، منها المجفف والمكدوس بالزيت أو الخل أو الملح، إنها مؤونة الشتاء، عرف متوارث ووجبات تراثية، يصعب الاستغناء عنها رغم التطور الحاصل في تصنيع المواد الغذائية.

اللبنة البلدية

اللبنة هي نتاج تكثيف اللبن الرائب بطريقة قروية تقليدية بسيطة، حيث يوضع اللبن في كيس من القماش الخفيف «خام» ليتخلص من مائه المعروف باسم الشرش. تشرح ماري حوراني طريقة التحضير: «أجود أنواع اللبنة هي المصنوعة من حليب الماعز. يصفى الحليب جيداً ويغلى على النار، ثم يروَّب ليتحول لبناً صافياً، يّنقل بعدها إلى أكياس ليستريح مدة 15 يوماً، يحتاج خلالها إلى تفريغ ودعك يومي حتى يجف، وتُضاف إليه كمية من الملح لحفظه من التلف. بعد التجفيف، تُكوَّر اللبنة على شكل كرات صغيرة تغمر بزيت الزيتون وتحفظ في مرطبانات ذات غطاء محكم. هذا النوع من اللبنة يمكن حفظه سنة كاملة بعيداً عن الثلاجات.

التين المجفف

اشتـهر اللبنانيون منذ زمن بتحضير التين المجفف وتوضيبه ليؤكل مع الجوز في فصل الشتاء كصنف من أصناف الحلويات. وتقول ناديا الحداد من مرجعيون: «لقد درجت العادة عند ربات البيوت على تحضير المربى، إما من التين الأخضر أو المجفف. وهو ما يسمّى «مربى التين» أو «التين المعقّد» نظراً لتماسكه الشديد بعد طبخه. وكان يعتبر الغذاء المثالي للفلاحين خلال يوم عمل طويل وشاق. أما طريقة التحضير فهي ثلاثة أنواع: مربى التين الأخضر المصنوع من أكواز ناضجة قليلاً، الأخضر المقطع أو المشرّح قطعاً، والتين المجفف اليابس، يضاف نصف كيلوغرام من السكر لكل كيلو واحد من التين مع قليل من الماء وحامض الليمون والمستكة وأوراق العطر، يغلى على نار هادئة حتى يشتد وينضج. ثم يوضع في مراطبين زجاجية مع إضافة الجوز والصنوبر حسب الرغبة».

رب البندورة

رغم توافره في الأسواق وفي عبوات مختلفة الأحجام وبأسعار متدنية، تجهد ربات البيوت في تحضير رب البندورة، ويسمونه دبس البندورة. توضح إحداهن، منى ثابت «أن حاجة البيت الواحد هي نحو رطلين أي خمسة كيلوغرامات. تقطع البندورة بعد غسلها جيداً إلى قطع صغيرة وتغلى على النار لتصبح لينة يسهل عصرها واستخراج العصير منها، يصفى العصير من البذور والشوائب ويغلى على نار هادئة حتى يشتد مثل اللبن، ثم ينقل ويوضع تحت أشعة الشمس بضعة أيام مع إضافة كمية من الملح لحفظه من التلف، يوضب ويستخدم سنة كاملة».

مكدوس الباذنجان

يعتبر الباذنجان الحاصباني من أجود الأنواع لتحضيره مكدوساً لفصل الشتاء، فهو من النوع الأسود المدعبل تكسو حبته قمعة خضراء. يرتفع الطلب عليه في مثل هذا الوقت من كل عام. وتقول عبلة الجنا: «إن التحضير يبدأ بشراء حبات الباذنجان الصغيرة الحجم التي توضع في الماء المغلي على النار لمدة تراوح بين 10 إلى 15 دقيقة، ثم نرفع الباذنجان ونضعه في مصفاة خارجية حتى يبرد، ثم ينزع الجزء العلوي من الحبة وتبضع طولياً بواسطة سكين دون الوصول إلى طرفيها، تُنقل حبات الباذنجان وتوضع على طبق من القش وتُكبس بوضع أثقال عليها لطرد الماء خارجاً منعاً للحموضة مستقبلاً. وتضم الحشوة الثوم المقطع صغيراً، الجوز المفروم، الملح، الفليفلة الحمراء حسب الرغبة، توضع الحشوة بواسطة اليد وترصّ الحبات في وعاء زجاجي بانتظام وتغمر بزيت الزيتون، لتصبح جاهزة للأكل بعد أسبوع تقريباً». لا تقتصر أصناف المؤونة البيتية على ما ورد، بل تتعداها لتتجاوز العشرين صنفاً أهمها: البرغل البلدي، القورما، الكشك، الجبن البلدي، المخللات والمربيات على أنواعها، الصعتر وغيرها.