البقاع ــ رامح حميةاحترفت نسوة البقاع تحضير «الكشك» كمؤونة منزلية شتوية لا يمكن الاستغناء عنها، بالنظر إلى غنى مكوناتها بالبرغل واللبن. لكن «الكشك» خرج من دائرة المؤونة المنزلية عند بعض البقاعيين، بسبب الظروف الحياتية والمعيشية الضاغطة، ودخل مجال المهن التي تؤمن دخلاً مادياً، حتى بات مورد رزق بسيطاً يعتاشون منه خلال هذه الفترة من كل عام. إلا أن أعمال الغش طالت أيضاً الكشك البلدي، إذ أخذ عدد من الذين يبغون الربح السريع يحضرون الكشك «كيفما كان» ويبيعونه. وفي جولة على بعض من امتهن تحضير الكشك وبيعه في البقاع، تبين أن هناك طرقاً عديدة للغش في تحضير الكشك يستطيع الزبون «اللي بيعرف طعمة تمو» على حد قول المنتجين الصغار أن يكتشفها.
فاطمة شحيتلي من بلدة شمسطار تمتهن تحضير الكشك بهدف بيعه للزبائن منذ 20 عاماً، لا تنفي وجود «كشك بزاري» في الأسواق يباع بأسعار زهيدة جداً، إذ يتراوح سعر الكيلو منه بين خمسة وعشرة آلاف ليرة، بينما أكدت أنها تبيع كيلو الكشك من إنتاجها بعشرين ألف ليرة «والحمد الله مستورة .. وزبائني بيحكموا على الطعمي». كما شرحت كيف بعض من يعدون الكشك «البزاري» يلجأون، بهدف الإسراع في إنجازه قبل غيرهم، إلى البدء بتجميع الحليب في فترة «مربعانية» الصيف، حيث يشرب «الطرش» كثيراً، ما يؤدي إلى مصل الحليب (زيادة نسبة المياه فيه) وبالتالي، يصبح الكشك عندها قليل الدسم وخالياً من الطعم الجيد والمميز. ورأت شحيتلي أن أول شهر أيلول هو الوقت الأنسب لـ«تجميع الحليب وبلّ الكشك». وأضافت أنها اكتشفت بطريق «الصدفة» أن «البعض يجمع رويشة البرغل (القشر) ويفركها بالحليب والنشاء ثم يضعها في براميل بلاستيكية حتى يحصل على الحموضة الكافية».
بدورها، سهيلة الحاج حسن، التي تبيع الكشك لزبائن يقصدونها من كل المناطق اللبنانية، كشفت عن طرق أخرى للغش وتعتمد على عدم إعطاء الكشك المواد الكافية له، فبدلاً من حصول «مد» البرغل على 12 رطلاً من الحليب، يعطى فقط 7 أرطال، وذلك بالاعتماد على طريقة «تنميش» (بلّ) البرغل بالماء وعدم تنشيفه على «رقاع» تحت أشعة الشمس جيداً، هكذا، تحتفظ حبة البرغل بجزء من الماء يمنعها من امتصاص الكمية الكافية من الحليب واللبن «وإذا باعوا الكيلو بخمسة آلاف بيضلوا ربحانين».
وتمثّل المنتوجات البلدية مثل الكشك مصدر رزق الكثير من العائلات الريفية، كما أن الاستمرار بإنتاجها يساهم في حفظ التراث الغذائي، فيما يتزايد الاهتمام بالمنتوجات البلدية وتكثر المعارض التي تتيح للمزارعين تصريفها، إلا أن القضية الأهم في هذا الإطار تكمن في ضبط النوعية لا في تفعيل إنتاج الغذاء التراثي فحسب.