سعيد المبسوطبقينا طوال الليل نحاول العثور على مرادف بالفرنسية لكلمة «فج»، الصفة التي نعطيها عادة للفواكه غير الناضجة. كان رهاننا الوصول إلى تلك الكلمة التي اعتقدنا أنها ستكون في مكان ما من ذاكرتينا اللتين يتآكلهما الغبار، أنا وصديقتي، وخصوصاً في الجانب الفرنكوفوني منهما. حتى كلمة «ناضج» عذبتنا حتى خرجت من الذاكرة. قلت «mûr» كمن سقطت عليه تفاحة ناضجة واكتشف الجاذبية. الآن يجب أن تصبح المسألة أسهل. سنبحث عن ضد الكلمة، ولا بد أن نعثر عليها بعد نبشنا المصطلحات التي جمعناها أيام المدرسة، وغمرها النسيان مع قلّة الممارسة. طبعاً لم يكن بالإمكان اللجوء إلى الإنترنت لأن الكهرباء كانت مقطوعة، ولسنا في باريس، بل في ضاحية بيروت الجنوبية. أما في القواميس فلم نجد إلا المنجد والمنهل من الفرنسية إلى العربية، وبالتالي، اضطررنا أن ننتظر حتى اليوم التالي لنعرف الجواب عبر موقع google.
لكن المفاجأة كانت أن الموقع وضع جواب «الفج» بأنه «غير ناضج» pas mûr ، أي أن الموقع فسّر الفجّ، بعد جهد، بالفجّ. سألت بعض الأصدقاء عن المعنى، وبعضهم ممن يغلّبون فرنسيتهم على لغتهم العربية: كانت النتيجة هي ذاتها. لا معنى مباشراً لكلمة «فج» بالفرنسية. الحلّ أتانا بعد أيام، حين اتصل بي أحد الأصدقاء بعدما سأل أستاذاً في اللغة الفرنسية وأخبرني أن المعنى الوحيد المعتمد هو «vert». لم أقتنع، لأن بعض الفاكهة عندما يكون فجاً تكون له ألوان غير الأخضر.
صادف ذلك اليوم افتتاح دورة الألعاب الفرنكوفونية في المدينة الرياضية. كنت هناك أشاهد العرض عن المدرجات، وأستمع، كما جميع من حولي، كلمات الرسميين بالعربية ومن ثم بالفرنسية. كان العرض جميلاً حقاً، لكن نصف المدرجات كان خالياً، ومعظم الحاضرين ممن يلدغون، عن قصد أو عن غير قصد، بالراء. أعني بذلك الفرنكوفونيين، الذين وإن تحدثوا بالعربية، فإنهم يطعمّون حديثهم بعبارات فرنسية. ذكّرني العرض بأغنية شاعت في بداية التسعينيات، ألّفها أحمد قعبور، وكانت بمثابة «نشيد» للحريرية السياسية آنذاك. الأغنية هي «البلد ماشي، والشغل ماشي، والحكي ماشي، ولا يهمّك». غالبية اللبنانيين يذكرون هذه الأغنية التي اشتهرت كثيراً في حينها. مهرجان افتتاح دورة الفرنكوفونية في ظل الأوضاع الحكومية والمعيشية التي يعيشها اللبنانيون، كان محاولة لإحياء هذه الأغنية. طبعاً المشروع الذي يمثلها لا يزال مستمراً، مع فارق أن الابن قليل الخبرة، حلّ مكان والده الخبير في تركيبة البلد، الذي استطاع في خلال رعايته افتتاح الألعاب الآسيوية في لبنان عام سبعة وتسعين، أن يملأ مدرّجات المدينة الرياضية عن آخرها بكل أطياف المجتمع اللبناني، طائفياً وطبقياً. في تلك الفترة، كانت «الأم الحنون» فرنسا أقرب إلى لبنان منها إليه اليوم. فدور فرنسا، بفعل الظروف العالمية، تراجع لمصلحة الدور الأميركي، وبالتالي حلّت الإنكليزية بقوتها العالمية، مكان الفرنسية عندنا.
البلد ماشي إذاً. اللغة الفرنسية لا تملأ أكثر من نصف مدرجات المدينة الرياضية. الحكومة لم تتألف بعد، ولا يبدو أنها ستتألف في المقبل من الأيام. الحكومة لا تزال خضراء. لم تنضج بعد. Pas mûr encore، ومثلها كثير من زعمائنا السياسيين. ومع ذلك... ولا يهمّك!