Strong>المواكب الأمنية تثير اشمئزاز المواطنين وغضبهم. مرافقو بعض الشخصيات يقومون بتصرفات «تشبيح»، اقتناعاً منهم بأن الشخصية التي يرافقونها أهم من المواطنين. السياسيون ينفون قيام مرافقيهم بتعديات وتصرفات سيئة، لذا يبقى «المتعدّون» بلا هويةقد لا يهمّ أحداً معرفة لمن تعود السيارة التي تحمل لوحتها الرقم 4455 والتي استدعت الأسبوع الماضي صبّ غضب درّاجين من شرطة السير في قوى الأمن الداخلي على المواطنين في رأس بيروت.
تقدّم الدرّاجون السيارة الفخمة، فاتحين أبواق الإنذار وهم «يشوبرون ويهوبرون» بأيديهم، ويصرخون لحثّ الناس على إفساح المجال لصاحب الرقم المميّز بالمرور قبل غيره.
يستدعي عادةً فضول الصحافي البحث عن صاحب الرقم 4455 وعن سبب «الطوشة» التي أحدثها. لكن في هذه الحالة بالذات، التي تتكرّر يومياً بسيارات تحمل أرقام لوحات مختلفة وربما أكثر تميّزاً عن الرقم 4455، أو حتى بسيارات بلا لوحات تسجيل، لا يهمّ إذا كان راكب السيارة وزيراً في الأقلية أو نائباً في الأكثرية أو دبلوماسياً أميركياً أو قنصلاً إيرانياً. لا يهمّ إذا كان من استدعى عنتريات قوى الأمن إمبراطور الصين أو بطل العالم الفرنكوفوني في الملاكمة أو حاكم البنك الدولي ومموّل باريس 3 أو4 أو 5. ولا يهمّ الناس إذا كان الزعيم قد تأخّر على موعده مع الرئيس، أو إذا طال انتظار البيك في السيارة، أو أنّ ضيوف الجمهورية شعروا بالضجر في طابور السيارات الطويل.
توجّه الفضول الصحافي لمعرفة آراء الناس: «(سباب) أخت الدول على أخت الشرطة أخو (سباب)» أجاب سائق إحدى السيارات العمومية عندما سُئل عن رأيه بالأمر. «تشبيح بتشبيح وتفشيخ عالعالم» وصف صاحب محالّ تجارية في الحمرا المواكب الأمنية. «الله وكيلك كلّ النهار هيك... وننن وننن... موكب من هون ودورية طوارئ من هونيك». شكت بائعة أزياء ونفخت دخان سيجارتها تعبيراً عن امتعاضها. «قبضايات! مين قدّن؟ مين بيسترجي يحكي معن؟»، يسأل موظّف في أحد المصارف.
الغضب هو التعبير الذي يمكن من خلاله اختصار ردات فعل المواطنين حيال مواكب المتنفذين. لكن كيف ينظر المسؤولون أنفسهم إلى هذه المواكب؟ لماذا التمسك بالمواكب ما دامت لم تفلح في حماية مسؤولين استُهدفوا خلال عمليات اغتيال؟ بماذا يفكر النائب أو الوزير أو المسؤول، وهو ينظر من خلف زجاج سيارته؟ هل يتخيل سيناريوات ردات فعل الناس تجاهه؟
السؤال الأخير يبقى من دون إجابة شافية. من اللافت أن من استطلعتهم «الأخبار» أجابوا بأنّ هذا السؤال لا يخطر ببالهم، ومن اللافت أن هؤلاء ـــــ وهم نواب من تيارات مختلفة ـــــ أجمعوا على سلوك واحد تجاه المدنيين.
بعض النواب يتحدثون قائلين: «ثمة مواطنون يزعجون المواكب»
النائب إبراهيم كنعان تحدث عن ضرورة التوصل إلى معادلة توازن تضمن أمن الشخصيات السياسية (نواب، وزراء، آخرون...) وتضمن كرامة المواطنين. المسألة الأخيرة تشغله. روى أنه نزل عدة مرات من سيارته، واتصل بصديقه وزير الداخلية زياد بارود، سائلاً عن حل لزحمة السير، وأبدى استغرابه رغبة مسؤولين بتجاوز السيارات المدنية. كنعان ينحو بكلامه نحو رؤية مدنية. يتحدث عن ضرورة الضغط على المقاولين لتسليم الورش في مهل محددة. يرى أن حماية أية شخصية ضرورية. إذا كانت هذه الشخصية مهددة فاستهدافها يضرّ بها وبالبلد كله. لكنه يشدد على أهمية ألّا تُتجاوَز «القواعد والأصول وعدم المسّ بكرامات الناس».
يقول كنعان إنه في بعض المناسبات قد يتخذ احتياطات، لكن موكبه لا يزداد إذا تلقى إنذاراً ما عن مرافقين وسيارة ترافق سيارته. وهو يلخص رؤيته بأن المسؤول في خدمة المواطنين، وعليه أن يلتزم مثلهم بقوانين السير، وأن يرضى بالانتظار في الزحمة كما يفعلون. وفي حال شعور الشخصية السياسية بأنها مهددة، فمن الأفضل أن تقلّص تحركاتها الخارجية.
النائب عاطف مجدلاني لا يستعين دائماً بموكب أمني «حسب الوضع والظروف الأمنية»، وإذا رافقه الموكب فإنه يتألف من سيارتين. يعترف بأن الموكب الأمني لا يمثّل حماية مطلقة للشخصية السياسة، ويذكّر بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رغم موكبه الأمني المتطور والكبير. يقول: «في المواكب التي ترافقنا، تكون حماية النائب بالحدّ الأدنى». لكنه يعود ليتوقف عند مسألة مهمة في رأيه، هي «أن ظروفاً أمنية تحتّم استعانة بعض النواب بمواكب، أعني نواباً من 14 آذار شعروا بأنهم مستهدفون. الآخرون لم يُستهدفوا». وفي ما يتعلق بسلوك موكبه، يقول مجدلاني: «أمشي في موكبي حسب قوانين السير، لا تتحرك سيارتي إذا كانت الإشارة حمراء، لا أسمح باستخدام الزمور إلا في الحالات القصوى». يضيف أنه يدرك أن بعض المواكب تزعج المواطنين، لكنه يلفت في المقابل إلى أن ثمة مواطنين يزعجون المواكب، كسائق سرفيس مثلاً يتوقف في منتصف الطريق. يعلق مجدلاني بأنه قد يسمح للسائق باستخدام الزمور إذا كان يقود السيارة التي تتقدمه سائق «سئيل». ويتوقف عند «حدث مهم»، فيروي أنه عندما انتُخب نائباً للمرة الأولى، «كان بعض المرافقين يمدّون أيديهم من السيارة للإشارة للسيارات الإخرى بالابتعاد أو التوقف، قلت لهم إنهم إذا استمروا بهذا التصرف فإني لا أريدهم أن يعملوا معي».
يلتقي كلام مجدلاني في كثير من المعطيات التي رواها مع كلام زميله النائب أنطوان زهرا، وإن كان حديث الأخير يشي بمعرفة أكبر بالشؤون الأمنية. فمفرداته وأفكاره في هذا المضمار أكثر تبلوراً، ولنقل إنها باختصار تصدر عن رجل شارك في صناعة ظروف أمنية. يقول زهرا إنه لا يستعين دائماً بموكب أمني. قد يرافقه أحياناً بعض المرافقين من القوى الأمنية. وإذ نسأله عن انزعاج المواطنين من المواكب بالأمنية، يرد قائلاً: «نحن أيضاً نشكو أحياناً» من أسلوب القيادة لدى مواطنين، ويضيف: «القيادة في لبنان كلنا نعرف حالها». يتحدث بصراحة عن اضطراره أحياناً إلى الاستعجال نتيجة ارتباطه بموعد أو اجتماع. في هذه الحالة إذا كان بمرافقة رجال من قوى الأمن ينزل أحدهم «لينظم السير، وهذا الأمر ليس لأجلي أنا شخصياً، بل من أجل كل العالقين في الزحمة». أما إذا كان مرافقوه من المدنيين، فإنهم لا يتركون السيارة. زهرا يلفت بقوله: «أمنياً يجدر بنا ألّا نكشف أنفسنا»، إذاً الحماية يجب أن تساعد في عملية تمويه عن الشخصية السياسية، لا أن تبرز وجودها. هنا يأخذ حديث زهرا منحىً «علمياً». بلهجة الأستاذ يقول إن المواكب الأمنية «أكثر من ضرورية»، وذلك لسببين: فهي تجعل وجود الشخصية مموهاً فيصعب استهدافها، أو تسهم في حمايته من اعتداء مباشر. ويلفت في هذه الحالة إلى أن «حادثة اغتيال الوزير بيار الجميل، كما وقعت، ما كان يمكن أن تتم لو كان مستعيناً بموكب أمني، فوجود عناصر حماية أمنية ما كان ليسمح بقتله بهذه الطريقة». وفي الختام، يؤكد زهرا أنه يلتزم بقوانين السير، ويرى أن النظام «لو التزم به الجميع، لتفادينا 60 في المئة من مشاكل السير التي تقع في لبنان».
(الأخبار)


المرافقون السيّئون بلا هويةمن جهة ثانية، قال مسؤول أمني إن أمن الشخصيات السياسية مرتبط بأمن البلد كله. وأضاف غاضباً إن عدداً من المسؤولين السيئين (وصفهم بالزعران) يحيطون أنفسهم بنحو 20 مسلحاً ويتعدّون على كرامات الناس، «يحمون أنفسهم، ولا يهتمون لحماية الناس».
ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحدّ من هذه التصرفات؟ وهل يمكن سنّ قوانين وتشريعات جديدة في هذا الإطار؟ يعلق المسؤول الأمني بأنّ من يحيطون أنفسهم بالمرافقين السيئين يحكمون البلاد «على كيفهم»، وأضاف: ثمة مسؤولون يحيطون أولادهم وزوجاتهم، بل أصدقاءهم من صحافيين بمرافقين يسيئون للمواطنين، «لا يسألون عن المواطن، ولا عن الصحافي الجيد، همهم من هو محسوب عليهم فقط، يخافون على أنفسهم لا على البلد».