خالد صاغيةفازت ريو دي جانيرو على شيكاغو. المدينة البرازيليّة الساحرة ستستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2016، للمرّة الأولى في تاريخ القارّة الأميركيّة الجنوبيّة. الحدث ليس رياضياً وحسب. إنّه يعطي دفعاً معنوياً كبيراً لدولة البرازيل التي تسعى منذ وصول الرئيس لولا دا سيلفا إلى سدّة الحكم قبل سبعة أعوام، إلى إثبات نفسها كواحدة من الدول الكبيرة الفاعلة على الساحة الدولية.
لُولا، وهو عامل سابق في مجال التعدين، والذي لا يزال يتمتّع بشعبيّة كبيرة داخل بلاده، لم يتمالك نفسه من البكاء فور إعلان نبأ الفوز. وكلّما هدأ قليلاً، عاد وأجهش بدموع الفرح مرّة أخرى. مَن فاته النقل المباشر، يمكنه أن يستعيد تلك المشاهد المؤثّرة على موقع «يوتيوب».
«لأنّنا خبرنا الاستعمار، كان لدينا الشعور بأنّنا صغار وغير مهمّين»، قال لولا قبل أن يؤكّد أنّ البرازيل قد تخلّصت من عقد النقص. هل يمكن إهمال ذلك لدى رؤية رئيس واحد من الاقتصادات العشرة الأكبر في العالم، يذرف دموعه، وهو يرى بلاده تنهض من زوايا النسيان إلى المسرح الدولي سياسياً واقتصادياً ورياضياً؟
دموع لُولا هي دموع الرجل الستّيني الذي نجح في نقل بلاده من حال إلى أخرى، بصرف النظر عن السجالات بشأن بعض سياساته وانحرافه عن وعود جذريّة كان قد أطلقها قبل وصوله إلى الرئاسة. دموع لُولا هي دموع من يعرف نبض الشارع، ومعنى قرار اللجنة الأولمبية بالنسبة إلى الشعب البرازيلي، وإلى سكان ريو دي جانيرو تحديداً. دموع لُولا هي دموع ماسح الأحذية الذي كانَهُ، ودموع البائع المتجوّل الذي كانه، ودموع المناضل النقابي والحزبي الذي كانه أيضاً.
دموع لُولا لا وجود لها في بلاد الأرز حيث لا مياه إلا في عيون التماسيح، حيث لا يوجد من يربط بين صعوده الشخصي وصعود بلاده. المسألة تتوقّف في المرحلة الأولى. صعود شخصي وحسب، ومن بعدي الطوفان. من هو الزعيم اللبناني الذي بكى آخر مرّة لدى رؤيته إنجازاً حقّقه لبلاده؟ من هو الزعيم اللبناني الذي بكى آخر مرّة لأنّه فكّر بعامّة الشعب، وأيقن أنّهم سيكونون سعداء في هذه اللحظة، فتأثّر وبدا سعيداً من أجلهم؟
بلادنا لا تتيح صعوداً اجتماعياً للشرفاء الشغوفين بالمصلحة العامة. أولئك يجدون دائماً من يدفعهم إلى القعر. الصعود هنا ليس لماسحي الأحذية. إنّه لماسحي الجوخ، حين ترضى عنهم ملاعق الذهب.