حسن خليل


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

الحمد لله، أخيراً اتفق جميع الأطراف على تأليف حكومة وحدة وطنية تجمعهم جميعاً تحت شعار لبنان أولاً وأخيراً أيضاً. حكومة عابرة للطوائف. بيانها الوزاري سيكون واضحاً وحازماً بدعم من الجميع في مواجهة القضايا المصيرية كلها: إلغاء الطائفية السياسية واعتماد قانون انتخاب على أساس الدائرة الكبرى ومبدأ النسبية هما أساس الولوج في العملية الإصلاحية. مقاومة العدو الإسرائيلي هي عصب الوحدة الوطنية، والعلاقات مع سوريا مميّزة لأن الجميع بات موحّداً في تعريف العدو والصديق.
الحمد لله لأن مبرّرات النق المستمرة التي داوم عليها اللبنانيون ستنتفي. فالبيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية سيضمن أن نعمة الكهرباء آتية وأن احتقار المواطن بساعات التقنين انتهى، فضلاً عن أن المواطن سيشرب ماءً سلسبيلاً في الأشهر القليلة المقبلة من الحنفية مباشرة. لن يدفع بعد الآن للاشتراك في مولّدات شوارع، ولن يشتري شاحنة مياه في بلد المياه الفائضة. البيان الوزاري مليء بالبشائر، ومنها أن يسير المواطن على أرصفة حديثة في شوارع فسيحة تضبطها إشارات السير وتحيط بها حدائق عامة، ولا تطوف فيها المجارير وتدخل البيوت.
تمهّلوا. هذا ليس كل شيء، فأصحاب المظالم ستبتّ قضاياهم خلال أشهر لا سنوات، وسيصبح القاضي والقضاء، كما في بلاد عمر بن عبد العزيز، منزّهين عن الرشوة والسلطة، ولن يرضخا أبداً لابتزاز الزعامات السياسية، وكان الله في عون مَن يهين القضاء بعد الآن.
وكما في دعم المقاومة الوطنية، سيدعو البيان الوزاري إلى دعم الأجهزة الأمنية والجيش، لأنه لا دولة من دون أمن. لن يدفع المواطن بعد الآن رشوة توازي راتب سنتين للدخول خفيراً في أحد الأجهزة الأمنية، ولن يتجرّأ أيّ رئيس جهاز أمني على تجاهل وزيره محتمياً بمرجعيته السياسية. وبما أن وزارة الداخلية هي سلطة الوصاية على البلديات أيضاً، فستتقلص صلاحياتها لمصلحة اللامركزية الإدارية حتى لا يتحمّل المواطن عبء التسكّع بعد الآن أمام الوزارات لقضاء حاجاته. حكومة الوحدة الوطنية ستقضي على نفوذ المافيات والميليشيات في بلديات المناطق، وسيدخل المواطن بعد البيان الوزاري أيّ بلدية مرفوع الرأس غير آبه بنفوذ المجلس البلدي وفساده.
يا جماعة هلّلوا. حكومة الوحدة الوطنية أتت وستقرأون في بيانها الوزاري ما يدهشكم ويدهش سويسرا والعالم. ميزانية وزارة الزراعة سترتفع من 0.3 إلى 30%، وسيعاد فتح الـ2000 مصنع التي أفلست، ولن يغلق أي مصنع أبوابه بعد الآن. لن يعود المواطن أسير الوكالات الحصرية ولا النفوذ الطائفي لأصحابها. سيصبح الاستيراد بأرخص الأسعار ممكناً.
نعم، نعم. أكثر من ذلك، سيوضع كتاب مدرسي موحَّد ونظام تربوي شامل. وستعمّم البطاقة الصحية على جميع المواطنين. بعض الوزارات ستختفي. لن يعود هناك جدوى لوزارة الأشغال العامة، مثلاً، لأن مهماتها ستتوزّع على البلديات. وزارة الإصلاح الإداري ستصبح من التاريخ كما وزارة البيئة. أما وزارة الإعلام فستلغى، لأن الصحافة في لبنان لن تعود مأجورة، وسيصبح الصحافيون، كما القضاة، مكتفين ذاتياً من رواتبهم.
لا يا إخوان، هذه ليست أوهاماً. البيان الوزاري سيتضمن خطة تفصيلية للإصلاح الإداري والقضائي والأمني والإنتاجي والخدماتي، منطلقاً من خلال الإصلاح المفصلي في المالية العامة. نعم، سينعقد قريباً «بيروت 1» فنستغني عن «باريس 1» إلى «باريس 100». سيبرهن اللبنانيون أنهم قادرون على إدارة ماليتهم بأنفسهم. سينخفض الدين إلى الناتج من 220% إلى 50% وستكون للبنان أخيراً ميزانيات متوازنة لا عجز فيها، بعد أن تنطلق كل عمليات التخصيص للكهرباء والمياه والاتصالات مع فتح باب المنافسة. وزير المال سيكون لأول مرة عنيداً مستقلاً لا يخضع لنفوذ من هنا أو هناك، وسيقوم بخفض الفوائد، لأنه لا مبرر لارتفاعها بعد دخول أموال طائلة إلى البلد بهذا الحجم. وستقوم المصارف متطوّعة بدعم القطاع الخاص إلى أقصى الحدود على حساب أرباحها من سندات الخزينة اللبنانية والبنك المركزي.
تصدير واستيراد، بيع وشراء، زراعة، صناعة، فنادق، مطاعم، سياحة، رخاء ورفاهية، حدود مفتوحة ولا صراعات إقليمية معنا وعلينا، وليذهب كل المتشكّكين في قدراتنا إلى الجحيم. نحن قادرون وموحَّدون. تجمعنا الزيتونة لا الأرزة، ولن يحتكر طرف دون الآخر مجد لبنان.
اطمئنوا، البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية سيثلج قلوب جميع المحرومين والعاطلين من العمل واليائسين. لأول مرة سيتخطّى السياسيون وأرباب الطوائف مصالحهم، وستضطر الأحزاب الطائفية إلى التحوّل أحزاباً سياسية، وسيندمج بعضهم في حزب واحد هدفه «لبنان أولاً وأخيراً».
كم هو رائع هذا الحلم الخريفي. هو حلم لأن الوحدة الوطنية سراب، ولأن الطائفيين شياطين الأرض، ولأن الأحزاب دكاكين عائلية، ولأن الأزلام والأنصار خراف جائعة منصاعة، ولأن الجَهَلَة جَهَلة، وبعض المثقفين تقودهم نزعة العنصرية والقبلية.
لا يا سادة. ستتألّف حكومةٌ لكنها لن تكون حكومة وحدة وطنية، لأنهم يكرهون بعضهم بعضاً، يجمعهم فقط اقتسام الغنيمة. لم يعاصروا يوماً نظاماً سياسياً حضارياً ليعرفوا معنى حكومة وحدة، ولا هم مؤمنون بالوحدة، والأكيد أنهم أبعد ما يكونون عن الوطنية.
لا تتوهّموا أن أصحاب الشأن وسلاطين القوم سيلغون أنفسهم. لم ولن يحترموكم، وسيستمرّون، إمّا في تسخيركم وإما في تسخيفكم.
ما أجمل الأحلام، لكنّ الطريقة الوحيدة للحلم الدائم هي النوم الدائم. فاستمرّوا أيها اللبنانيون في سباتكم العميق واحلموا، لأنكم إن استيقظتم فستجدون أن لبنان ليس في طور القيامة، بل قد اقترب من حساب يوم القيامة.