أحمد محسنكان لي صديق «مهمّش»، ساءت به الأمور حتى فقد صوابه. بات يطرح أسئلة مزعجة عن تاريخ اليوم الذي ستقوم فيه القيامة. فاقت الأجوبة الغيبية حجم تصوراته. أذكره بدقة، كيف سأل: ستقتحم الإشعاعات الأرض، فهل من وقاية ممكنة؟ لعلّه فكر في مستحضرات «زين» بدايةً، استجابة لما أدخله التلفاز في رأسه من هراء. سؤال آخر: هل سيكون بيغ بانغ أم مزحةً نووية ثقيلة؟ فرح هنا لبرهة، فقد يموت وهيفاء وهبي في اللحظة ذاتها. لن يفوته شيء هكذا. الفنون الرخوة والموسيقى الجيدة، والأجساد المحترمة. ماذا عن الأجساد؟ هل سترتفع عمودياً أم ستحصل فوضى؟ سينال الجميع من نيكولاس كايج حينها. ظنّ المغرور أنه وحده فعلها في أحد أفلامه.
سيُبعث أناس قديمون، فكر الرجل نيابةً عن هيغل. أخذ وقتاً أطول مما توقع، ليضع العناصر في الإطار الافتراضي. ستحصل لقاءات ممتعة، بلا أدنى شك. نسج ما تسنّى له من رغبات تحت الطلب، فلن يحاسبه أحد على مخيّلته. توقع حصول اغتيال في الطريق إلى السماء، في حق شخصية بارزة. أوقف صاحبنا رحلته الخيالية إلى ساحة الثواب والعقاب.
حرص على التأكد من أن الملائكة والشياطين لن يصطفوا فوق، فيهتف الشياطين ضد جبريل، ويتهم الملائكة إبليس بالخيانة. هذا الفصل لم يعجبه، مضجر ولبناني كثيراً. أقنعوه بالثورات هنا: «ساتشي آند ساتشي» والأمانة العامة لحركة النواب السابقين في «الثورة»، والقوى «الوطنية» طبعاً. غريب كيف أنه متلقٍّ مطيع، ومهمّش في الوقت عينه. لعله اعتقد للحظة أن فولتير هو النائب اللبناني فلان، أو تروتسكي الوزير فلان. الله أعلم، وخصوصاً أننا نتحدث عن قيامة هنا. الأمر ليس مزحة. ربما يطول الأمر قبل أن تعاود القعود. لطالما سخر الرجل من فكرة القيامة، إذ كان علمانياً، وها هو يلجأ إليها بوصفها تطوراً سوريالياً، للحظيرة الطائفية الطبيعية.
أما إذا نجح البعض في الإفلات، فسنمتلك مادة سينمائية هوليوودية دسمة. سيأتي ستيفن سبيلبرغ، أو أي مبدعٍ آخر، شوفيني أميركي طبعاً، ويصوّر المعركة بإخلاص.
سيكون غريباً أن تطلق طائرات الأميركيين الحربية قذائفها إلى أعلى، باتجاه الرب. في هوليوود، الأميركيون هم الكائنات البشرية الوحيدة على الأرض، والولايات المتحدة هي التي تتولّى الدفاع عن الكرة الأرضية. فلنترك العراق وأفغانستان جانباً الآن، فهناك ما هو أهم الآن.
كان تمريناً فاشلاً، الجحيم مجرد فكرة باهتة. كلها أشياء مخططٌ لها عملياً، لكنها تحدث بالصدفة، كالعالم تماماً. أنا عكس ذلك الصديق الطيب. همّشت نفسي طوعاً، في محاولة مني أن لا أصل إلى تلك المرحلة: أجلس في مقهى، وأشتم الجميع، من دون أن أفهم سبب وجود العالم أصلاً. همّشت نفسي عن الواقع، كي لا أجدني متنقلاً بين الحظائر المتاحة محلياً. الطائفية الدينية منها أولاً، وتالياً القومية التي تقيّأتْها الأمم بعد الحداثة، وطبعاً الحظيرة الستالينية الأخطر.
لماذا الأخطر؟ هكذا، أنا حر، لأني ألعن الساعة التي تتحول فيها العقائد إلى وسيلة للتنظير. فقدت أسباب وجودها، تماماً كهذا البلد. فانتظار الحكومة هنا يشبه انتظار القيامة.