نلقح أو لا نلقح ضد أنفلونزا الخنازير؟ هذا ما يشغل بال الدول المتقدمة. أما لبنان فالموضوع خارج التداول، لأن اللقاح لن يصل قبل مطلع العام المقبل، وفق وزير الصحة. لكنه ولو وصل، فالأرجح أنه لن يكون مجانياً ضمن حملة تلقيح وطنية
بسام القنطار
يفاخر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور محمد جواد خليفة، بأن تأخر وصول لقاح أنفلونزا الخنازير إلى لبنان هو بانتظار «تبيان إيجابية نتائج التجارب السريرية وإثبات فعالية اللقاح». إلا أن هذا لا يلغي الحقيقة المزعجة أن لبنان، كبقية الدول النامية، قد حرم من الحصول على اللقاح في موسم الخريف، بسبب عدم قدرة الشركات المنتجة للقاح على تزويد كل الدول بالكميات اللازمة دفعة واحدة، وتهافت الدول الغنية على شراء كميات كبيرة منه.
لكن تصريح خليفة الذي جاء أثناء لقائه مدراء المدارس في منطقة الزهراني الأسبوع الماضي، يتعارض مع ما أعلنه المدير العام لوزارة الصحة د. وليد عمار الذي قال لـ«الأخبار» إن «اللقاح يجب أن يصل ويوزع في لبنان قبيل انتهاء عام 2009». وأنه «لا جدوى من وصوله العام المقبل لأن الموسم الفعلي للأنفلونزا يكون قد بدأ، ويصبح اللقاح بدون فعالية من الناحية الطبية».
ويشير عمار إلى أن «الوزارة تركز في المرحلة الحالية على فعالية تطبيق نظام ترصد الغياب في المدارس، لأنه تجربة جديدة ومهمة وتحتاج إلى تنسيق يومي. ويعمل هذا النظام ضمن آلية تبدأ بمدراء المدارس الذين عليهم تبليغ طبيب القضاء بحالات الغياب، الذي يرسل بدوره قائمة بكل الحالات إلى الإدارة المركزية حيث تُدرس وتُوثّق، وتتضمن قاعدة البيانات سبب غياب الطالب والمعلومات الواردة في التقرير الطبي في حال وجوده. ويشير عمار إلى أن هذا النظام يساعد على ترصد أنفلونزا الخنازير في كل المدارس اللبنانية، مشدداً على أن الموضوع يغطي كل المدارس في بيروت والمناطق، وذلك عبر لجان تنسيق بين المدارس والوزارة التي عملت على إرسال فرق للتعقيم في بعض المدارس».
هذا الجهد الرسمي البارز مع بداية العام الدراسي، لا يقابله الزخم نفسه في موضوع الحصول على اللقاحات. حيث أعلن عمار أن الحكومة اللبنانية، لم تقرر بعد إن كانت ستشتري لقاح أنفلونزا الخنازير، وبالتالي التخطيط لإطلاق حملة تحصين وطنية على غرار بقية الدول. مشيراً إلى أنه في حال وصول اللقاح قبل نهاية العام الحالي، فسوف تجيزه اللجنة الوطنية للدواء ويباع في الصيدليات، على غرار لقاح الأنفلونزا الموسمية». ويشكك عمار في نتائج هذا اللقاح، مستشهداً «برفض عدد كبير من العاملين الصحيين في فرنسا أخذ اللقاح، وأن هذا أكبر دليل أنه لا يزال موضع تشكيك في قدرته على الحماية من الإصابة، وكذلك آثاره الجانبية».
وترى منظمة الصحة العالمية، أنه ليس هناك ضرورة لتطعيم مجمـل السكان ضد أنفلونزا «آي أتش 1 ان 1» في الوقت الراهن. وتمنح الأولوية في التطعيم للمجموعات المعرضة لخطر الإصابة بالفيروس، أكثر من غيرها، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع الأفراد المصابين بصورة خاصة. وتشمل هذه الفئة العاملين في القطاع الصحي والقائمين برعاية الأطفال الرضع والنساء الحوامل والنساء بعد الولادة.
وتمتد هذه الفئة لتشمل الأطفال بعد عمر ستة أشهر والبالغين الذين يعانون أمراضاً مزمنة في القلب والرئة وإلى عمر 64 عاماً. وليس هناك إحصاء محدد لأعداد هذه الفئات في لبنان، ويمكن تقديرها بالمقارنة مع النسب العالمية بين 400 إلى 500 ألف شخص.
تزخر المواقع الإلكترونية بالتعليقات الرافضة للقاح أنفلونزا «آي اتش1 ان1»
في الولايات المتحدة الأميركية بدأت أول من أمس، الحملة الرسمية للتطعيم باللقاح الجديد. وكذلك الأمر في العديد من الدول الأوروبية. وتترافق هذه الحملات، مع حملات إعلامية واسعة من معارضين لفكرة التلقيح. وهؤلاء لا يشككون فقط في فعالية لقاح أنفلونزا الخنازير، بل يحذرون أيضاً من الآثار الجانبية لهذا اللقاح، التي قد تؤدّي إلى الشلل.
وتزخر المواقع الإلكترونية بالتعليقات الرافضة لهذا اللقاح ويرفع شعار: «لكُل تلقيح تأثير ضارّ». حجة المعارضين للقاح أنفلونزا الخنازير، أن اللقاح المستخدم سنوياً ضد الأنفلونزا العادية، قد تعرض إلى انتقاد شديد، بسبب ضعف فعاليته التي لم تتجاوز نسبة 30% في بعض الحالات. كما يثير هؤلاء مسألة عدم وجود دراسة محايِدة، متعلقة بالحماية والكفاءة التي يوفرها لقاح ما.
وعن تطوّر اللقاح، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أخيراً من مدينة جنيف، أنها منحت التراخيص اللازمة لاستحداث لقاحات في أستراليا والصين والولايات المتحدة الأميركية، وستمنح تلك التراخيص في القريب في اليابان وبلدان أوروبية عدة. وتتوقف الفترة التي تستغرقها عملية الموافقة على عوامل عدة، منها مثل الإجراء التنظيمي لكل بلد ونوع اللقاح الذي يُرخّص.
في أيار الماضي أشارت معلومات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ قدرة العالم الإنتاجية ستناهز خمسة مليارات جرعة في العام تقريباً. أمّا التقديرات الراهنة للمنظمة فتشير إلى أنّ قدرة إنتاج اللقاحات في جميع أنحاء العالم لا تناهز ثلاثة مليارات جرعة. ومع أن هذا الرقم أقل مما كان متوقعاً، فإن البيانات الأولية المستقاة من التجارب السريرية، التي أعلنتها المنظمة، تشير إلى أنّ جرعة واحدة من اللقاح ستكون كافية لضمان المناعة اللازمة، مما سيمكن من مضاعفة عدد الأشخاص الذين يمكن حمايتهم بالإمدادات الراهنة.
وقد تعاقدت كثير من البلدان الغنية، في فترات سابقة، مع صانعي اللقاحات للحصول على ما يكفي من إمدادات لتغطية احتياجات جميع سكانها، إلا أن لبنان وغيره من الدول النامية، لم يستطع الدخول في المنافسة على الحصة الأولى من الإمدادات المحدودة. ويرجح أن تعتمد إمدادات اللقاحات في هذه الدول، إلى حد كبير، على التبرّعات التي قد ترد إليها من صانعي اللقاحات والبلدان الأخرى.
وبحسب منظمة الصحة، فإن من المتوقع البدء بتوزيع اللقاحات الأولى المتبرّع بها في تشرين الثاني المقبل، لكن إعلان الوزير خليفة أن اللقاح لن يصل إلى لبنان قبل كانون الثاني المقبل، يظهر أننا لسنا على قائمة الدول التي سيُتبرع لها حتى بكمية من اللقاحات.
ومساء الأحد الماضي، حذر مسؤولو منظمة الصحة في اسطنبول من أن الدول النامية مهددة بـ«تفش واسع النطاق» لأنفلونزا «آي اتش1 ان1» وهي بحاجة لمساعدة مادية طارئة لشراء اللقاحات.
وأوضحت جولي هول وهي خبيرة تعمل في المنظمة في مؤتمر صحافي على هامش الجمعية السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن «ما نشهده الآن هو دخول الفيروس في المجتمعات الأكثر فقراً في العالم»، وأضافت «نتوقع أن ينتج من ذلك نمط جديد من الفيروس ما إن يبدأ بالانتشار في المجتمعات الفقيرة». بدوره أعلن ديفيد نابارو منسق الأمم المتحدة لمكافحة الأنفلونزا أنه لو قررت المختبرات والدول الغنية وضع اللقاحات في تصرف الدول النامية «فنحن نعرف أن العدد لن يكفي سوى شريحة صغيرة من السكان».


علماء يأملون بلقاح شامل

أعلن عدد من العلماء، نهاية الأسبوع الماضي، أن أنفلونزا «آي اتش1 ان1» لا بد أن تدفع الباحثين في مجال الأدوية إلى إحياء جهود تطوير لقاح شامل للأنفلونزا وإعادة النظر في طرق التعامل مع الأوبئة المستقبلية. وفي رسالة إلى دورية «ساينس» طالب العلماء الصناعات المعنية بإنتاج الأدوية والرعاية الصحية بأن تبادر إلى تطوير اللقاحات وخاصة الإسراع بالبحث عن لقاح شامل للأنفلونزا. وكتبوا قائلين «بالرغم من أن أنفلونزا «آي اتش1 ان1» قد يسبب حدوث حالة طوارئ اجتماعية واقتصادية، فإنه يقدم أيضاً فرصة لإعادة النظر في نهجنا في التعامل مع مرض فيروس الأنفلونزا، وتطوير لقاحات أكثر فعالية، وحلولاً قابلة للاستدامة من الناحية الاقتصادية للدول النامية والمتقدمة». وأضافوا «يتعين التعجيل بالبحث باتجاه تطوير لقاح شامل». ولم تستطع شركات الأدوية والعلماء حتى الآن إنتاج لقاح شامل للأنفلونزا الذي من شأنه أن يكافح كل سلالات الفيروس. ويشكك عدد كبير من العلماء بقدرة أي شركة على إنتاج هذا اللقاح لأن سلالات الفيروس تشهد تحولات دائمة تغير في تركيبتها.
(رويترز)