تتقدم حوادث السير لائحة العوامل التي تسبب الوفيات في لبنان. ظاهرة الموت على الطرق آخذة بالتفاقم. قال المسؤولون المعنيون الكثير، عن برامج وخطط للحد من تزايد الحوادث، لكن الكلام التحذيري لم يُترجم في خطط تطبق على أرض الواقع حتى الآن
محمد نزال
ينظر البعض إلى حوادث السير على أنها «القاتل الأكبر» في لبنان، باعتبارها تحصد أرواح المواطنين أكثر مما تفعل العمليات «الإرهابية» والحوداث الجنائية. توصيف مأساوي، وقد يبدو للوهلة الأولى مبالغاً فيه، لكن الإحصائيات الرسمية والأرقام الصادرة عن القوى الأمنية والجمعيات المدنية المختصة تقطع الشك باليقين. أشار وزير الداخلية والبلديات، المحامي زياد بارود، إلى أن قوى الأمن الداخلي تقوم بجهود أكبر من إمكاناتها، وبأدوار تحتاج إلى عديد أكبر من العديد المتوافر. ولفت إلى ضرورة التوفيق بين مواجهة القوى الأمنية للإشكالات الأمنية وللإرهاب من جهة، ومتابعة العمل على السلامة المرورية من جهة أخرى، وبالأخص أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى مقتل 7 مواطنين جراء أفعال جنائية، في مقابل 57 قتيلاً قضت عليهم حوادث السير منذ بداية العام الجاري (حتى شهر آب الماضي).
وفي السياق ذاته، أوردت تقارير أمنية عدداً من حوادث السير التي سجلت خلال الأسبوع الماضي، فجاءت الحصيلة مرتفعة، وكذلك عدد الضحايا، مقارنة بالأسابيع الماضية. 75 حادث سير وقعت على مختلف الأراضي اللبنانية، خلال أسبوع واحد فقط، وقد أدت إلى وفاة 14 شخصاً وجرح حوالى 150. أبرز هذه الحوادث تمثل في تدهور الحافلة التي كانت تدخل إلى لبنان عن طريق المصنع قبل أيام، ما أدّى إلى مقتل 4 أشخاص وجرح نحو 50 من الذين كانوا على متنها. حادث آخر وقع على طريق عام حلبا ــــ الشمال، بعدما اصطدمت سيارة نوع «فيات رابيد» بقيادة ح.أ. بسيارة أخرى (بيك آب) كانت متوقفة إلى جانب الطريق. وكان على متن السيارة الأولى إلى جانب السائق، زوجته غادة أبو عمشة، إضافة إلى ولديها، حسن (7 سنوات) وغنى (10 سنوات). أدّى الحادث إلى وفاة غادة على الفور، فيما نقلت الطفلة إلى المستشفى للمعالجة وهي في حالة صحية حرجة. عندما تستعيد غنى وعيها، لن تجد والدتها. ما زاد الطين بلّة في الحادث المذكور، أن سيارة نوع «نيسان» بقيادة ع.خ. اصطدمت بالسيارة، ما أدّى إلى إصابة الجميع.
أعداد القتلى أكبر مما يُنشر ففي كثير من الأحيان يسجّل سقوط جرحى يتوفّون لاحقاً
حادث مأساوي آخر وقع على طريق عام بعلبك ــــ رياق، بعدما حصل اصطدام بين سيارة «فان» لم تعرف هوية السائق، وسيارة نوع «هوندا» بقيادة ح.ع. وبرفقته زوجته غ.ض. وأولادها محمد (4 أعوام) وزينب (عامان)، وحسين (عام واحد). أدّى الحادث إلى وفاة الطفل الرضيع حسين على على الفور، فيما أصيب الجميع بجروح مختلفة، وفرّ سائق «الفان» إثر الحادث إلى جهة مجهولة، بحسب ما أوردت تقارير أمنية.
وفي البقاع أيضاً، صدمت سيارة نوع «بيك آب» ظلّ سائقها مجهولاً، بحسب ما ذكرت تقارير أمنية، دراجة نارية بقيادة جرجس سالم يمين، وهو المجنّد في قوى الأمن الداخلي، وذلك على طريق عام قب الياس. اختل توزان الدراجة فاصطدمت بدورها بسيارة نوع «مرسيدس». أدّى الحادث إلى إصابة المجنّد بجروح خطرة نقل على أثرها إلى المستشفى للمعالجة، لكنه ما لبث أن فارق الحياة بعد نحو ساعتين من وقوع الحادث. أوقفت القوى الأمنية سائق الـ«مرسيدس» أ.د. (24 عاماً) فيما فرّ سائق السيارة الأولى إلى جهة مجهولة.
استمر مسلسل الحوادث «القاتلة» متنقلاً بين المناطق، فحط في الجنوب. هناك، وقع حادث اصطدام على أوتوستراد الزهراني، بين سيارة نوع «مازدا» بقيادة د.ض. (22 عاماً) وبرفقته عباس برجي (19 عاماً)، وسيارة نوع «هينو» بقيادة م.ح. (مجهول باقي الهوية). حضر الموت مرّة أخرى، حيث أدّى الحادث إلى وفاة المواطن عباس برجي على الفور، فيما أصيب الباقون.
تجدر الإشارة إلى أن القوى الأمنية تنشر أعداد الحوادث التي تصلها برقيات بشأنها، فيما لا يُبلّغ أحياناً عن بعض الحوادث، وبالتالي لا تُدرج ضمن الإحصائيات والتقارير. وفي هذا الإطار، أشار عضو الهيئة الإدارية في «تجمّع الشباب للتوعية الاجتماعية ــــ اليازا» كامل إبراهيم، إلى أن أعداد القتلى هو أكبر مما يُنشر، إذ إنه في كثير من الأحيان، تؤدي الحوادث إلى سقوط جرحى، ويُسجلون على أنهم كذلك، ولكنّ عدداً منهم يفارقون الحياة بعد مدّة متأثرين بجراحهم، فلا يعلم أحد من المسؤولين الرسميين بأمر وفاتهم، وبالتالي لا يسجلون ضمن لوائح «قتلى حوادث السير». إضافة إلى ذلك، فإن الإصابات لا تُصنَّف في السجلّات كـ«إصابات بالغة» أو «إصابات طفيفة»، مما يزيد من صعوبة تحليل خطورتها. ولفت إبراهيم في حديث مع «الأخبار» إلى أن تفاقم حوادث السير في لبنان، هو نتيجة للسرعة الزائدة وعدم تقيد السائقين بالقوانين، وكذلك بفعل غياب الصيانة الدورية للطرق الرئيسية التي تربط بين المناطق، إضافة إلى عدم إنارة الشوارع دائماً، وطبعاً، «عدم تفعيل برامج التوعية والإرشادات للمواطنين».


إحصاءات

تظهر إحصاءات الحوادث الرسمية الصادرة في السنوات الأخيرة، أن حوادث السير تأخذ منحى تصاعدياًَ في عددها، وكذلك في عدد الضحايا. في عام 2005 قتلت الحوادث المرورية 304 مواطنين. ارتفع العدد في عام 2006 إلى 335 قتيلاً، وفقاً لما أعلنه المدير العام لقوى الأمن، في أواخر 2006، خلال الندوة الثالثة للسلامة المرورية. وفي عام 2007 قُتل 497 مواطناً. استمر عدد الحوادث في التزايد ليحصد 478 قتيلاً في العام الماضي وأكدت جمعية «YAZA» أن عدد قتلى الحوادث في 2007 كان 870 شخصاً، أي بفارق 383 قتيلاً عن الإحصائية الرسمية. وتعزو الجمعية هذا الفارق إلى وفاة البعض خارج أماكن الحوادث، بينما يشمل التعريف العالمي تلك الوفيات التي تستجد بعد شهر على وقوع الحادث.


17 حادثاً على طريق غرب بعلبك

وصف مواطنون بقاعيون طريق غرب بعلبك بحلبة السباق، لما يمارس عليه من استعراضات بواسطة السيارات والدرّاجات النارية. ويمتد الطريق المذكور من المشتل الزراعي عند نهاية بلدة السعيدة، ليمر في بلدات كفردان ـــــ حدث بعلبك ـــــ النبي رشادة ـــــ طاريا ـــــ شمسطار وصولاً حتى بيت شاما، وهو الذي باشرت وزارة الأشغال العامة والهيئة الإيرانية تأهيله منذ شهرين، قبل أن يتحوّل إلى مصدر خطر على السلامة، ففي غضون أقل من شهر ونصف وقع 17 حادثاً هناك. دفع الأمر الأهالي وأصحاب المحالّ التجارية إلى طلب تركيب مطبّات بلاستيكية على الطريق، لكنّ رئيس بلدية شمسطار فاضل الحاج حسن أكد لـ“الأخبار” أن “المتعهد الذي ينفّذ مشروع تأهيل طريق غرب بعلبك يستطيع أن يتذرّع بخلو دفتر الشروط من بند متعلق بإقامة المطبّات”.
رامح حمية