في إطار مسابقات الألعاب الفرنكوفونية، حاز اللبنانيان أسامة بعلبكي (رسم) وكارولين حاتم (أدب) ميداليتين فضيتين. حساسية فنية واحدة تجمع بين الفائزَين، اللذين تقارب أعمالهما هاجس الحدث المحلي، وتجسّده مصبوغاً ببعد فلسفي
رنا حايك
أكرم راقص في فرقة دبكة لبنانية. في أحد العروض التي يشترك فيها، يعجب بفتاة. وبعد أن يقضي ليالي طويلة مؤرّقة وهو يفنّد الحواجز الاجتماعية التي قد تمنع علاقتهما، يُفاجَأ في النهاية بأنها على علاقة بشاب آخر، فيشعر بمرارة سرعان ما تنقلب إلى سلوك شرس.
هذه هي باختصار الرواية التي حازت كارولين حاتم عنها ميدالية فضية في مسابقة الأدب في الدورة الفرنكوفونية. «عملي يتمحور دائماً حول الجدران الوهمية التي تنشأ بين البشر، في عقولهم»، تقول كارولين. ومن قد يتقن معالجة هذه الفكرة أكثر من لبنانية تشهد كيف يمكن مواطناً في بلدها «أن يظلّ طوال حياته حبيس شارع عبد الوهاب، رافضاً اجتياز الشارع للتعرّف إلى منطقة رأس النبع؟» على حدّ قولها.
قضت حاتم، مواليد 1976، معظم سنوات دراستها في الخارج، بين الولايات المتحدة، حيث درست المسرح والرقص، وفرنسا، حيث تابعت الدراسات العليا في الفلسفة، ولم تعُد إلى لبنان سوى منذ حوالى تسعة أشهر. لم يؤدِّ تعدد مهاراتها إلى حالة من التشتّت، بل نجحت بدمجها عبر إقامة عروض كثيرة، مزجت فيها بين المسرح والرقص والنص الإبداعي، من بينها «كيف اعتقدوا أن الطاولة هي طاولة» الذي قدّمته على خشبة مسرح المدينة عام 2007، بينما شاركت آخرين في كتابة عروض أخرى، إضافةً إلى مزاولتها الترجمة وكتابة القصص القصيرة، والنصوص التي حازت عنها جوائز عديدة.
تصدر كارولين قريباً، مع أصدقاء لها، ستّ قصص قصيرة تدمج بين الكتابة والغرافيكس، نتجت من ورش كتابة اشتركوا فيها معاً.
إلّا أن النشر لا يمثّّل هاجساً بالنسبة إليها، لأن اليوم «بمقدور أي إنسان أن يكتب، لكن النوعية أهم من الكمية» كما تقول.
أما عن مسابقة الفرنكوفونية، فقد «كانت فرصة اللقاء بآخرين أهمّ من الجائزة بحد ذاتها»، كما تقول، معبّرةً عن فرحتها بالتعرف إلى آخرين من ثقافات مختلفة، وهو فرح متبادل دفع المشتركين في فئة الأدب إلى الاتفاق على إنشاء مدوّنة تجمع في ما بينهم، ينشرون فيها نصوصهم تباعاً.
وفيما تتناول كارولين في أعمالها السدود الوهمية القائمة بين البشر في بيئتها المحلية، تسكن أشباح الذاكرة الجماعية لوحة «طبيعة ميتة» التي نال عنها أسامة بعلبكي، مواليد 1978، والمتخرّج من كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، الميدالية الفضية ويستحضر فيها بوسطة عين الرمانة، ذلك «الأثر المتخفّي الذي بلغ حد الأيقونة السلبية» كما يسمّيها، واصفاً إياها بـ«الحجر الأحفوري للحدث المأساوي القديم». بهذا المعنى، «ينأى الهدف الفني عن اعتبارات استفزاز الذاكرة، لتكتسب اللوحة أبعادها الشعرية».
وتندرج اللوحة ضمن سلسلة من الأعمال التي كوّنت نواة آخر معارض بعلبكي مطلع العام الحالي تحت عنوان «أقل دخاناً وأكثر». أعمال تندرج في إطار الواقعية التعبيرية، التي هي بمثابة «حقل تشكيلي واسع أحاول من خلالها إنجاز تنغيم على مستوى المادة والأسلوب بغية الوصول إلى حسّاسية تجمع السوادي والرعوي. وذلك من خلال استحضار العنف كأثر جامد تجسّده الطبيعة الصامتة للحطام كالسيارات المهشّمة، على خلفية منظر طبيعي غنائي يحيل على المنظر المحلي المألوف أو حتى على مشهد افتراضي ميتافيزيقي متفلّت من المكان والزمان». بهذا المعنى، تجمع لوحات بعلبكي عموماً بين نقيضين: السكون، متمثّلاً بالطبيعة الصامتة لآلات مهترئة، والحركية «المتمثّلة بالهواء المحيط والمكهرب بالقلق والنعومة والخطر والتوجّس والمسالمة على حدّ سواء». ولخدمة هذا التناقض، يلجأ الفنان في معظم الأحيان إلى اللونين، الأبيض والأسود، اللذين يمثّلان بالنسبة إليه «خلاصة المرئي، التي تمثّل حدّة الوعي القاطعة التي لا لبس بصرياً فيها قد تخلقه الألوان». لونان كان قد بنى عليهما مجموعة أعمال أقام بها معرضه الفردي الأول «رسومات بالأبيض والأسود» عام 2004، الذي أتبعه بمعرض ثانٍ عام 2007 تحت عنوان «مشهديات العزلة»، قبل معرضه الأخير، إضافةً إلى مشاركته في عدة معارض جماعية من ضمنها معارض متحف سرسق السنوية «صالون الخريف».


وقفة
أربع ميداليات للبنان


أربع ميداليات فضية كانت من نصيب لبنان خلال الدورة السادسة للألعاب الفرنكوفونية. اثنتان حاز إحداهما الرياضي إلياس ناصيف في مسابقة الجودو، بينما حاز الثانية زميله وائل شاهين في مسابقة الملاكمة، بينما كانت الميداليتان الباقيتان من نصيب أسامة وكارولين في المسابقات الفنية


تشيد كارولين (الصورة) بالتجربة، وتلفت إلى ضرورة الاحتذاء بها عبر خلق هذا التواصل أيضاً بين العرب، وبين مشرق ومغرب عربيّين يكادان ينقطعان بعضها عن بعض تماماً، رغم رابط اللغة الذي يجمعهما، تماماً كما أدى رابط اللغة الفرنسية إلى إقامة الدورات الفرنكوفونية

يرى أسامة (الصورة) أن التجربة كانت غنية إذ «جمعت بين فنانين من حسّاسيات متنوعة»، معترفاً بأن «الفرنكوفونية جزء مكوّن من ثقافتنا ورافد أساسي متصل بواقع البلد وتاريخه، لكن الثقافة العربية تظلّ هي الأصل بالنسبة إليّ وتمثّل محوري الأساسي»