منذ بضع سنوات، انتشرت مهنة تصليح الهواتف الخلوية في سوريا بين شبان بعضهم لا يعرف سوى بديهيات هذه المهنة، فيما تحترفها قلة منهم فقط
دمشق ـــ محمد دحنون
باستثناء جدرانه الحجرية، يبدو متجر تصليح الهواتف الخلوية مرتجلاً إلى أبعد الحدود، إذ تتحوّل مجموعة من القطع الخشبية، بفضل أبسط مبادئ النجارة، إلى طاولات متّصلة. يُستغل سطح هذه الطاولات العلوي لوضع عدّة العمل والهواتف المحمولة الكثيرة التي تنتظر الصيانة، فيما تستعمل جوانبها... دليل هاتف!
المظهر لا ينبئ دائماً بالجوهر، هذا ما يؤكده العدد الكبير من الزبائن، وهذا ما يؤكده سامر، صاحب المحل، حين يقول «أنا لا أبحث عن الزبون الطيّار، يهمّني الزبون الذي يقصدني بسبب السمعة».
بعد العمل في هذه المهنة لسنوات عدّة ستصاب بانهيار عصبي
صيانة الموبايلات مهنة انتشرت في سوريا منذ أقل من عقد، حين أُدخلت هذه الخدمة إلى البلد. لذلك، فإنّ الانطباع العام عنها أنّها «شغلة يلّي ما إلو شغلة». يعترف سامر بأنّ الغالبية العظمى من أصحاب المحال لا يفهمون إلا «الأمور البديهية في الصيانة». ماذا عن الباقين؟ يقف سامر ليحضر مجموعة من الكاتالوغات، ويبدأ بالشرح. «بالنسبة إليّ، بدأت بدراسة الصيانة في معهد خاص، لكنّه لم يفدني في شيء، ثمّ بدأت أشتغل على نفسي من خلال المخططات (الكاتالوغات)، إذ لكلّ جهاز مخطط يوضح جميع أجزائه وطريقة توصيلها، كنت أشتريها من السوق وأدرسها. أمّا اليوم، فأصبحنا نحمّلها من خلال المواقع العديدة المنتشرة على شبكة الإنترنت». ثمّ يعدد سامر ما يسميّه «الميزات التعبويّة» للراغب في العمل في هذه المهنة، إذ لا يتردد في وضع الذكاء على رأس القائمة، ثمّ اللغة الإنكليزية القويّة، التركيز وقوّة الأعصاب، «لأنّه بعد العمل لعدّة سنوات، كن على ثقة بأنّك ستصاب بانهيار في الأعصاب». تتأكّد من أنّه لا مبالغة في كلام سامر حين يعرض عليك القطع المسماة «دارات تكاملية» (Integrated circuit) ذات الأبعاد الميليمتريّة التي يتعامل معها يومياً.
يتذمر أحد الزبائن «الطيّارين» من الكلفة التي طلبها سامر. يتذمر هذا الأخير بدوره ثم يقول «أوكي، هاي المرّة ع حساب المحل». ينتقل الحديث إذاً إلى سعر الكلفة. يرى سامر أنّ أوّل ما يحدد الكلفة هو المخاطرة بخسارة الجهاز لسبب ما، «إذا كنت أفحص جهازاً وارتفعت الكهرباء بشدة، فالجهاز (انضرب) وعليّ أن أعوّض على الزبون»، ثمّ يضيف «الكلفة لدينا تشبه مبدأ الكلفة في المطاعم، حيث لا تدفع ثمن صحن السلطة، لكنّك تدفع مقابل الخدمة. فالقطع التي نستعملها ليست غالية الثمن، لكن عمليّة الصيانة تستغرق وقتاً وجهداً وأعصاباً». يصمت سامر ثم يبتسم معترفاً «أحياناً نحنا منسلبها على الزبون!». لا يترك سامر وقتاً لإبداء الدهشة، فيتابع «أنا شخصيّاً أكره الزبون (النقاق) الذي يأتي إليك مرّات كثيرة بعد أن تنتهي من إصلاح جهازه، حينها لا أتردّد في الانتقام، أستبدل أحد أجزاء الجهاز، الشاشة مثلاً»، ثمّ يضيف ضاحكاً «عندها أنا مستعد لأن أدفع له مقابل صيانة الموبايل عندي».
يتوقف سامر عن الكلام، بسبب زبون آخر أبدى تذمّره من سعر الكلفة، يبتسم ثمّ يتمتم بصوت مسموع «ما في حدا بيحترم التعب!».
ح الهواتف الخلوية في سوريا بين شبان بعضهم لا يعرف سوى بديهيات هذه المهنة، فيما تحترفها قلة منهم فقط