اليوم، يبدأ العام الدراسي الرسمي بلا هبة سعودية جديدة، وهي المبادرة التي باتت مرتقبة سنوياً منذ انتهاء حرب تموز 2006. وفي الانتظار، أعفي هذا العام من الرسوم التلامذة في المدارس الرسمية التابعة لمديرية التعليم الابتدائي فقط. وبذلك، لم تسمح المبالغ الباقية من الهبة السعودية القديمة بالمساواة بين هؤلاء وأقرانهم المسجلين في الثانويات الرسمية، وإن كانوا بالأعمار نفسها
فاتن الحاج
هل تبخّر قانون إلزامية التعليم، وبالتالي مجانيته حتى سن الثانية عشرة؟ وهل بات انتظار صرف الهبة السعودية التي تكاد تصبح تقليداً سنوياً، يعفي الدولة من تطبيق هذا القانون؟ لماذا أعفي هذا العام تلامذة المرحلتين الابتدائية والمتوسطة المسجلون في المدارس الرسمية التابعة لمديرية التعليم الابتدائي من الرسوم، ولم يعفَ أقرانهم في المراحل نفسها لكن المسجلين في الثانويات الرسمية؟ وهل يعني ذلك أنّ الهبة هي لمدارس مرحلة بعينها وليست للتلامذة؟ ماذا عن صناديق المدارس وصناديق مجالس الأهل التي باتت تنتظر رحمة صرف هذه الهبة بالتقسيط، التي قد يؤدي الروتين الإداري إلى تأخير القسط الأخير منها إلى شهر أيار كما حصل في العام الماضي؟
ففي الإعفاء، فوجئ الأهالي بما سموه قراراً استنسابياً يميّز بين تلميذ وآخر في المرحلة نفسها. كما لم يجد المديرون أنفسهم مبرراً للأمر، إذ تقول عايدة الخطيب، مديرة مدرسة رأس بيروت الثانية المختلطة، «ما بعرف ليش بس معقولي المصاري الباقية من الهبة السعودية القديمة ما بتكفي»، علماً بأنّ أعداد التلامذة الذين يختارون التسجيل في الثانويات الرسمية ليست كبيرة ولا تتجاوز عادة بضعة آلاف، على حد تقدير كامل شيا، مدير مدرسة عاليه الغربية الرسمية. ويستبعد شيا أن يؤدي هذا القرار إلى هجرة من الثانويات إلى المدارس الابتدائية والمتوسطة، لسبب أنّ التسجيل بات في نهايته. أي إن الأهل دفعوا رسوم التسجيل والمنتظر كان الآن أن تعاد تلك المبالغ إليهم من الهبة السعودية. وبما أنّ كلفة التعليم الأساسي المجاني أي حتى التاسع الأساسي (البريفيه) ليست كبيرة (42 مليون دولار بما في ذلك ثمن الكتب) فهل يستأهل الأمر الارتهان لمنحة من أي جهة أتت؟
لكن، يبدو أن الأمل لم ينقطع بعد من هبة سعودية جديدة. هذا، على الأقل، ما يستشف من كلام وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري لروابط المعلمين في التعليم الأساسي منذ أيام حين قالت: «في حال حصولنا على مكرمة (أي هبة) جديدة بإذن الله فستُغطى أكلاف إضافية للتلامذة». لكن المديرين باتوا اليوم ينتظرون على «أحر من الجمر» ما تعهدت به الحريري لجهة تسريع تأمين 40% من مستحقات صناديق مدارسهم شبه الفارغة، لا سيما منها المدارس الصغيرة أو تلك الواقعة في مناطق جبلية تترتب عليها مستلزمات التدفئة، إضافة إلى الحاجات الأساسية للمدرسة. هذه المتطلبات باتت على عاتق صناديق المدارس التي تتغذى من مساهمات الأهالي اليوم بعد تخلي وزارة التربية تدريجياً ومنذ سبعينيات القرن الماضي عن واجبها بتزويد المدارس بالقرطاسية والمطبوعات وتجهيز المختبرات في مرحلة أولى، ومن ثم أجور الخدم وتكاليف النظافة والصيانة والمياه والهاتف والكهرباء وبعض مستحقات المتعاقدين. هكذا، لم يبق على الدولة سوى دفع رواتب المعلمين وإيجارات المباني.
أما مساهمة الأهالي في صناديق المدارس فهي على الشكل الآتي: 60 ألف ليرة لتلميذ المرحلة الابتدائية و70 ألفاً لتلميذ المرحلة المتوسطة. أما المساهمة في صناديق مجالس الأهل فتتراوح بين 10 آلاف و50 ألف ليرة لبنانية. وقد جرت تغطية هاتين المساهمتين بما بقي من الهبة السعودية.

من حق التلميذ على دولته أن تصرف عليه مما يدفعه
لكن وزيرة التربية كانت قد أصدرت في 30 حزيران الماضي القرار 909 /م/2009 الذي ينص في مادته الثانية على استيفاء المدارس والثانويات الرسمية عن كل تلميذ يُسجّل مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية، كدفعة أولى من مساهمة الأهالي والتلامذة الإضافية المحددة بالقرار 369/م/2007، على أن تودع هذه المساهمة في صناديق هذه المدارس والثانويات، في باب الاحتياط من موازنتها، ولا تُصرف إلا بموجب تعميم صادر عن وزير التربية والتعليم العالي يحدد فيه أوجه إنفاقها. هذا المبلغ لا علاقة له بالهبة السعودية، والتعميم 22/م/2009 الصادر في 2 تشرين الأول الجاري يلزم إدارات المدارس التابعة لمديرية التعليم الابتدائي استيفاءه.
ومع أنّ حرية التصرف بهذا المبلغ لم تتح للمديرين حتى الآن، لكن ما تجمعه هذه المساهمة في مدرسة كبيرة كمدرسة عاليه الغربية (تضم 300 تلميذ) يكفي أجور الخدم واشتراك الضمان الاجتماعي لهم ولوازم النظافة لمدة شهر واحد فقط، كما يقول شيا. كما أنّ التدفئة تتطلّب 5 ملايين ليرة لبنانية سنوياً.
المشكلة برأي الخطيب تكمن في المساهمة نفسها التي حددتها وزارة التربية لتغذية صناديق المدارس وصناديق مجالس الأهالي. فالمبالغ لم تعد تكفي بالنظر إلى موجة الغلاء التي طالت كل شيء، إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وما استتبعه من ارتفاع أجور الخدم. فبعدما كان هناك فائض منذ 5 سنوات لدى معظم صناديق المدارس «عم تطلع اليوم راس براس وخصوصاً في مدرسة صغيرة كمدرستي، لا بل إن بعضنا يستدين». لكن القضية الحقيقية هي موعد وصول الأموال إلى صناديق المدارس، برأي الخطيب، فغالباً ما يتأخر صرف الأموال لسبب أنّ الوزارة لا تدفع للصناديق إلا بعد انتهاء التسجيل، أي في أواخر تشرين الثاني، وبعد حصولها على لائحة اسمية بعدد المسجلين.
ثم تنتقد الخطيب، كما كل المديرين الذين التقيناهم، ما تصفه بأنه «إرساء ثقافة الإعانات بديلاً لمسؤولية الدولة في دعم المدرسة الرسمية». وتقول الخطيب إن هذا التصرف ليس الحل «فمن حق التلميذ على دولته أن تصرف عليه مما يدفعه من ضرائب، وهو ليس مضطراً لأن ينتظر الهبات».