بسام القنطار أكثر من “نقاش عامّ”، بهذا ربما، يمكن وصف الجلسات التي دعت إليها بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان، في فندق جفينور روتانا أمس، والتي تستمر إلى مساء اليوم. فبين النصائح الأوروبية والجردة الحكومية وتقرير الظل، الذي قدّمه ممثلو المجتمع المدني، بدت هذه الجلسات أشبه بتمرين يمكن الاستفادة منه في صياغة البيان الوزراي للحكومة، الذي أجمع المتحدثون على أن ولادته القريبة ضرورية للسير ببنود الخطط الإصلاحية.
ولقد اعتُمدت خطة عمل السياسة الأوروبية للجوار للاتحاد الأوروبي ولبنان في كانون الثاني عام 2007 لمدة خمس سنوات، واعتُمد التقرير الأول لهذة الخطة في نيسان عام 2008.
تمحور النقاش، في اجتماع أمس، حول وثيقة أعدّتها المفوضية الأوروبية تُبرز التقدم الذي أُحرز في تنفيذ خطة سياسة الجوار، خلال العام الماضي، في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية ودولة القانون، مع تركيز لافت على الإصلاح الانتخابي ومكافحة الفساد. كما نوقشت مواضيع متعلّقة بالقضاء والأمن، مع التركيز على الإصلاح القضائي وإدارة الأزمات، وإصلاح القطاع الأمني، وإدارة الحدود وغيرها من المواضيع.
ورغم أن الوثيقة لا تدّعي أنها تمثّل “مراجعة عامة للوضع السياسي والاقتصادي في لبنان”، فإن النصائح والتمنّيات التي قدّمها هوغ مينغاريلي، المدير العام المساعد للعلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية، تُظهر أن فترة السماح قد انتهت، وأن على لبنان تنفيذ كامل الأجندة الإصلاحية بدءاً من مؤتمر باريس 3، مروراً بتسريع الدخول في اتفاقية منظمة التجارة الدولية، وصولاً إلى تعزيز الديمقراطية والحرص على شفافية الانتخابات وتداول السلطة. ولم ينسَ مينغاريلي الإشارة إلى المسائل الأمنية الكثيرة، وتعزيز العلاقات بين المواطنين على ضفتي المتوسط. أما الخلاصة التي توصّل إليها: فهي “أعمالنا ما بين بين... أي ليست سلبية ولا إيجابية، لقد أرسينا مشاريع ولكننا لم نحقّق كل البنود”. أما لناحية التمويل، فبشّرنا مينغاريلي بأن ميزانية خطة الجوار للأعوام 2011 -2013 ستصل إلى 150 مليون يورو. علماً بأنه أُنفق 87 مليون يورو منذ بدء تنفيذ الخطة عام 2007.
التمنّيات والنصائح الأوروبية قابلها ترحيب حكومي واسع من جانب الوزير فوزي صلوخ، الذي استعرض روزنامة الاجتماعات التي عُقدت بين اللجان المشتركة الأوروبية واللبنانية، مشيداً بتوقيع لبنان الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في أيار 2009، ومكافحة الجيش اللبناني للإرهاب.
أما الوزير زياد بارود، فكرّر مقولته التي يردّدها منذ أن تحوّل إلى وزير تصريف أعمال، بأنه لا يمثّل رأي الحكومة، وأنه أقرب في طريقة تفكيره إلى المجتمع المدني، الذي ترعرع فيه. وانطلاقاً من هذا التوصيف، كان بارود أكثر صراحةً حين أعلن أن “خطة الجوار لم تُحترم كثيراً”. وفي رأيه، يعود الأمر إلى أسباب كثيرة أهمها عدم وجود استقرار سياسي وأمني. ومن الأمثلة التي قدّمها بارود، القانون الانتخابي، الذي لم يشمله الإصلاح إلا بنسبة 20 %.
المدير العام لوزارة العدل عمر الناطور ركّز على 3 أسباب لتأخير صدور الأحكام القضائية. الكسل لدى القضاة، وضعف النظام القضائي والقوانين، واستفادة المحامين من التأخير لدوافع مادية. مشيراً إلى أن هذا الأمر أدى إلى وجود 63% من الموقوفين في السجون اللبنانية بدون محاكمة.
بدوره قدم النائب غسان مخيبر وجهة نظر برلمانية، منتقداً بنود الخطة التي لم تبرز دور البرلمان كشريك في الإصلاحات. ورأى أن الانتخابات البلدية المقبلة تطرح تحديات عديدة بشأن الإصلاحات، التي لم تتحقّق في الانتخابات النيابية من التمثيل النسبي إلى الكوتا السائية وورقة الاقتراع الموحّدة. ولفت إلى أن المهمّ هو ضمان فعّالية البرلمان، وليس فقط مراقبة الانتخابات، التي تكون غير مجدية إذا لم يكن العمل البرلماني ناشطاً وفاعلاً.
حصة المجتمع المدني من النقاش كانت واسعة. البداية مع كرم كرم، ممثلاً المركز اللبناني للدراسات، الذي شدّد على أن الطائفية السياسية لا تسمح بتطوير ولا إصلاح، وأن هذا النظام الطائفي اللبناني يولّد تشنجات لا تنتهي. أما خليل جبارة، من لجنة الإشراف على الانتخابات، فلفت إلى أن النقاش بشأن توزير الراسبين يأخذ حيزاً واسعاً من النقاش السياسي، دون الالتفات إلى أن أحد أهمّ البنود الإصلاحية للنظام السياسي، هو فصل النيابة عن الوزارة، مستغرباً غياب هذا الموضوع عن النقاش السياسي.
بدوره قدم وديع الأسمر، باسم شبكة حقوق الإنسانية الأورومتوسطية، جردة تتعلق بأداء النظام القضائي في لبنان، منتقداً وجود المحاكم الاستثنائية، والتوقيف الاعتباطي والتعذيب الذي تمارسُه أجهزة الاستخبارات، وغياب أي معالجة جديّة لملف المخفيّين قسراً. وأوصى بضرورة قيام مؤسسة وطنية لمعالجة هذه القضايا. نديم حوري من منظمة مراقبة حقوق الإنسان، رأى أن المشكلة في الإرادة السياسية لا في القدرات، وانتقدَ بشدة الإجراءات القانونية العنصرية ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً قانون ملكية الأراضي، وتقييد حق العمل. كما لفت إلى مشكلة بقية اللاجئين، واعتقالهم بطريقة تعسّفية وفي ظروف سيئة، وإلى قضية سوء معاملة العاملين الأجانب، منتقداً عدم إقرار حق المرأة اللبنانية في إعطاء جنسيتها لأولادها.