ملاك وليد خالدفي صور، ضجّة تكاد تغطّي على أصوات متناولي فضيحة إفلاس صلاح عز الدين، وتكاليف المؤن والمدارس، وعلى التعليقات على تأييد ورفض قرار إلغاء مهرجان السامبا والتصريحات المتبادلة بين طرفي الأزمة. فبين معسكرَي الدفاع عن الأخلاق والانفتاح في المجتمع «الصوريّ»، ثمة تساؤلات تدور في المدينة: عن أي «صور» يتحدّثون؟
ففي مدينة أليسار والأرجوان، كثيراً ما تعودّ أبناء المدينة والوافدون إليها سقفاً من الحرية الشخصية والعامّة لم يُمسّ إلا في الأيام السوداء في ثمانينيّات القرن الماضي، حين ألقيت ماء النار على حسناوات الشاطئ. تلك حقبة مضت بكل الممارسات الأمنية والأخلاقية البشعة، وأُقفلت عليها أدراج الكلام، ونوافذ الذاكرة بكل سوئها، والحمد لله.
ولكن: ما الذي يحصل في المدينة الساحلية الآن؟ عن أي أخلاق يتحدثون؟ ومن نصّب المتحدثين أوصياء على الأخلاق العامة، وعلى سمعة المدينة؟ ومن هم أولئك المطبّلون والمزمّرون للقرار تحت التسمية القبائلية الغريبة «المجتمع الصوري» التي يتداولها بعض «ولاد البلد»؟
يا سادة الدين والسياسة التي صارت علينا لزاماً من حيّ لحيّ، ومن زاروب لشارع ومن فعّالية لمهرجان: كفى. كفّوا عن هذه المدينة وعن هذا البلد دجلكم وازدواج معاييركم وحساباتكم السياسية الضيّقة وفهمكم الغريب للأمور.
ضاق بعينكم مهرجان سامبا اشتُرِط على منظمّيه أصلاً مراعاة اللباس لكي لا يخرق خصوصية المدينة؟ أصلاً أيّة خصوصية للسامبا، والبيكيني ينتشر على بحر صور؟ أيّ حرمة أهم من التعايش في مدينة تتجاور فيها الكنائس والبيوت والحانات والمدارس والجوامع؟
إن من لا يمكنه احتمال فكرة تبادل ثقافي وحضاريّ، سواء عن طريق الرقص أو الطبخ أو اللباس، فليحصّن إيمانه الشخصي وحده، وليتزوّد بأحاديث وفتاوى وسُنن تقوّيه على احتمال المعاصي. وهذه الجوامع والحوزات ومدارس الدين في صور مفتوحة، فلتعجّ بكم ولتحجّوا إليها بدلاً من تكميمكم شارعاً لا يرضيكم ما فيه.
أما من يخشى على الأخلاق والتقاليد، فليأتِ بدلائله أنها عرضة للخدش. فأنا شخصياً لا أجد في بضعة راقصين في شارع عامّ خدشاً للحياء العامّ أكثر من عهر بعض الساسة المفضوح 24 على 24 وعلى عينك يا تاجر. ولا أرى أي إخلال بأمن «المجتمع الصوري» في مهرجان مخطّط له مسبّقاً، وتُبثّ الإعلانات عنه على شاشات التلفزيون منذ فترة، بقدر ما أراه في تفلّت بعض الزعران من المدينة وخارجها. مارسوه لمدّة ثلاث ليالٍ متتالية خلال الأسبوع الماضي دون أن نسمع شجباً أو إدانة أو عظة دينية وأخلاقية من أصحاب العمائم والكراسي والمشاريع.
وبعد مهرجان السامبا، على من سيقع المنع التالي؟ موسم البحر أم أعياد الشعنينة؟ أم حفلات الأعياد والصيف باعتبارها منتجات محلية و«الأقربون أولى بالمعروف»؟ هل ما يحدث في صور هو بداية تحوّل في المزاج العام للمدينة، التي كثيراً ما عُرفت بانفتاحها ومرونة طباع ناسها؟ هل هي إرهاصات لمدّ ديني متعصّب كانت مدينة التعايش قد حُيّدت عنه بوعي وتصميم طويلاً من جانب كلّ من مرّ بها من أحزاب علمانية ويمينية ويسارية ومتواطئة مع السلطات بكل أنواعها؟ المدينة التي عاد خريفها صاخباً برياحه المعتادة تتوالد فيها الكثير من هذه الأسئلة.